[الأمور الدالة على أهمية استغلال الوقت]
دل على خطر الوقت والنَّفَس ثلاثة أمور: الأمر الأول: أنه لو تاجر العبد مع ربه عز وجل في كل نفس من أنفاسه لربح على الله عز وجل أعظم الأرباح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة)، وقال: (من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] حتى يختمها عشر مرات بني له قصر في الجنة).
فكل نفس جوهرة لو تاجر به العبد مع الله عز وجل.
الأمر الثاني الذي يدل على خطر الوقت والأنفاس أن الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا عددها مغيب عنا، كما قال الحسن البصري: المبادرة المبادرة! فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر في نفسه ثم بكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:٨٤].
آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك.
فقوله: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:٨٤] يعني: الأنفاس.
أي: إن الله عز وجل قدر لكل عبد فينا عدداً محدداً من الأنفاس، فكلما تنفس نفساً سجل عليه هذا النفس، فيعد لكل واحد منا عد تنازلياً، كحال كل المشروعات العظيمة يحدد يوم للافتتاح، فكلما مضى يوم يقولون: بقي تسعة وعشرون يوماً، بقي ثمانية وعشرون يوماًن وهكذا حتى يصل إلى يوم الافتتاح.
ونحن أيضاً كل إنسان فينا له عدد محدد مقدر في علم الله عز وجل، والملائكة تسجل عليه الأنفاس التي يتنفسها حتى يصل إلى آخر العدد، وعند ذلك خروج النفس وفراق الأهل ودخول القبر.
فكون الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا عددها مغيب عنا مما يدل على خطر الأوقات والأنفاس.
والعبد إذاكان ماله بالمليارات فإنه لو أنفق الآلاف لا يؤثر كثيراً في رأس ماله، بخلاف من ماله بالآلاف، فإنه لو أنفق الآلاف لأثر ذلك في رأس ماله، ونحن لا ندري مقدار رأس المال، فتضييع الأوقات في غير الطاعات مخاطرة خاصة أننا لا ندري مقدار الباقي من أنفاسنا.
الأمر الثالث: أن كل نفس ينفق في غير طاعة الله عز وجل قد يكون آخر الأنفاس.
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل فأي نفس ينفق في غير طاعة الله عز وجل قد يكون آخر الأنفاس، والعبرة بالخواتيم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم)، أي: إن عاقبة العبد تتعلق بخاتمته، فمن ختم له بعمل من أعمال أهل الجنة دخل الجنة، ومن ختم له بعمل من أعمال أهل النار دخل النار والعياذ بالله.
فالأعمال بالخواتيم.
كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها! {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:٣]، كم من قارب مركبه ساحل النجاة فلما هم أن يرتقي لعب به الموج فغرق! كل العباد تحت هذا الخطر، (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، وليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).