للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من قصص وكرامات الأولياء]

إن من وهب له هذه المواهب الجليلة، ومن تخلق بهذه الأخلاق العظيمة، لا نستكثر أن تجري على يده خارقة من الخوارق الرحمانية، وقد ثبتت الخارقة بالكتاب والسنة، كما في القرآن: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران:٣٧]، كما ذكر المفسرون كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:٣٧]، ومريم لم تكن نبية، وإنما كانت من الأولياء.

كذلك قصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، فهذه كرامة، حيث أنامهم الله عز وجل ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم الله عز وجل.

وفي الصحيح أن قصعة الصديق كلما أكلوا منها ربى من أسفلها أكثر منها، حتى أطعم منها النبي صلى الله عليه وسلم الجيش، فالكرامة ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة.

وقد ورد عن السلف كرامات لا نجزم بصحة جميعها، ولكن وجود الأدلة عليها وثبوت هذه الأدلة يجعلنا نستأنس بهذه الروايات، فيروى أن سعد بن أبي وقاص -وكان مستجاب الدعوة- دعا على امرأة كذبت عليه أن تعمى وأن تموت في أرضها، فعميت ووقعت في حفيرة في أرضها فماتت.

ودعا على الرجل الذي قال بأنه لا يحكم بالسوية، ولا يسير خلف السرية، فدعا عليه بأن يطيل الله عز وجل عمره، وأن يعظم فقره، وأن يعرضه للفتن، فصار شيخاً كبيراً سقط حاجباه يتعرض للجواري في السكك، ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد.

ويروى أن صلة بن أشيم أحد العباد التابعين، ماتت فرسه في الغزو، فقال: اللهم! لا تجعل لمخلوق علي منة، ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه، فلما عاد إلى بيته قال لابنه: انزع السرج؛ فإن الفرس عارية، فنزع السرج فماتت الفرس.

ويروى أن الحسن البصري دعا على رجل وقال: إن كنت كاذباً فجعل الله حتفك.

فمات الرجل في مكانه.

وأيضاً يروى أن زنيرة وكانت ممن عذب بمكة ذهب بصرها من تعذيب المشركين لها، فقال المشركون: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كلا والله! ودعت الله عز وجل فرد الله عليها بصرها.

كذلك يروى أن أبا مسلم الخولاني -وكان أحد أئمة التابعين- ألقي في النار، فوجد في النار قائماً يصلي، فقال فيه عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم.

فالعبد لا يصل إلى هذه الدرجة العالية من إجابة الدعوة، إلا ويصل معها إلى درجات عالية من محبة الله عز وجل والرضا به، كما يروى أن سعد بن أبي وقاص كان معروفاً بإجابة الدعوة، فذهب بصره في آخر عمره، فقيل له: ألا دعوت لبصرك؟ فقال: قضاء الله أحب إلي من بصري.

ويروى أن سعيد بن جبير عذبه الحجاج حتى قتله، وكان يمكن أن يدعو على الحجاج؛ لأنه كان مستجاب الدعوة ولكنه لم يفعل، فقد كان له ديك يوقظه للصلاة، فتأخر الديك يوماً عن الصياح فقال: ما له قطع الله صوته؟ فما صاح الديك بعد ذلك، فقالت له أمه: لا تدع على شيء بعدها أبداً.

فدعا سعيد بأن يكون آخر من يقتله الحجاج، فكان كذلك، فقد مات الحجاج بعده بمدة يسيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>