وعلى ذلك يكون تعليم الناس بتقديم النماذج المعاصرة، والتى تمثل الجوانب المظلمة فى حياة الناس وكذلك بعرض النماذج المشرقة كما مر بنا فى السورة الكريمة السابقة، ويكون أيضا بتقديم النماذج من الأمم السابقة كما رأينا فى سورة الفجر، وذكر النماذج السابقة يفيد أكثر من معنى فى التربية والتوجيه، فمن هذه المعانى: ما يتصل بإعجاز ذلك الكتاب حيث يخبر عن أحوال أقوام، وليس من مصدر للمعرفة التعينية عن هؤلاء إلا ما يخبر الله سبحانه وتعالى به وخاصة فى هذه الفترة المكية، ومنها: وقوف الناس على تجارب واقعية للفساد والصلاح؛ لينظروا إليها نظرة الناقد المستعيد، والذى استعرض ما سبق من أحداث على نفسه، وهل يرضى أن يكون على حالة من سبق فى الفساد أو فى الصلاح.
الأمر الأخير فى وقوف الناس على نتائج المواقف السابقة والتى تحققت فعلا فى هلاك المفسدين مع قوتهم، وفى نجاة المؤمنين المطيعين.
فالتعليم- إذن- أخذ أسلوب تقديم تجارب السابقين فى سورة الفجر ونتابع إن شاء الله بقية المعانى على ترتيبها فى النزول المبارك فى الجزء القادم.
ومن المعانى التى تضمنتها «سورة الفجر» ما جاء فى قوله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) وتعالج هذه الآيات الكريمة جوانب نفسية فى حياة الإنسان ونظرته إلى ما يصيبه فى الحياة من خير أو شر. فتبين الآيات للناس أنهم مبتلون من ربهم وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: ٣٥] فليكن الإنسان على بصيرة من حقيقة الابتلاء حتى يفوز فى جانبيه وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ [البقرة:
١٥٥] فالابتلاء يتعرض له البشر.
والمعنى الثانى: يصحح خطأ يقع فيه الإنسان نتيجة حبه الشديد للمال إذ يعتبره مقياسا لإكرام الله له، أو إهانته إياه. وهذا غير صحيح فالبسط والقبض للاختبار.
قال تعالى فى جانب الإمداد بالمال للإنسان: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)[المؤمنون] وكذلك فى الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه فى الرزق يعتقد أن ذلك من الله سبحانه إهانة له، قال الله