تعالى: كَلَّا أى ليس الأمر كما زعم لا فى هذا ولا فى ذاك فإن الله تعالى يعطى المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار فى ذلك على طاعة الله سبحانه فى كل من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرا بأن يصبر. وإكرام الله لعبده يأتى فى استجابة العبد لأمر ربه، فمن جهة المال يكون الإنسان فى موضع التكريم عند ما يكرم ضعاف الأمة وضعاف الجماعة متمثلين فى اليتامى الذين فقدوا آباءهم، ووقعوا فى دائرة الحاجة المالية والعطف النفسى، ومواجهة السورة الكريمة الناس بالتقصير فى هذا الجانب، وأنهم لا يكرمون اليتيم لشدة تعلقهم بالمال حيث يأكلون التراث أكلا لما أى: لا يبقون على شىء من ولائهم يحبون المال حبا شديدا- مواجهتهم بذلك قد تخفف من حدة هذا التعلق فيعرفون واجبهم نحو اليتامى، وكذلك نحو الضعاف الآخرين من المساكين فيصلون إلى التكريم إن أرادوا التخلص من أخلاق الجاهلية والتحلى بأخلاق الإسلام، روى عبد الله بن المبارك عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم:«خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه- ثم قال بإصبعه- أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا» وفى رواية أبى داود عن سهل يعنى ابن سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين». وقرن بين إصبعيه الوسطى والتى تلا الإبهام.
ولما كان حب المال جما، ولما كانوا يأكلون التراث أكلا، لما وكانت آثار هذا الحب فى عدم إكرام اليتيم، وعدم الحض على طعام المسكين كان الأسلوب القرآنى الحكيم لمعالجة ذلك فى التهديد والوعيد الشديد واستحضار جلال الموقف العظيم فقال تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠).
فتخبر السورة الكريمة عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فأمام الناس يوم عظيم وهول جسيم، تدك فيه الأرض والجبال، وما عليها يسوى، ويجيء الله سبحانه لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلّى الله عليه وسلم بعد ما يسألون أولى العزم من الرسل واحدا بعد واحد فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهى النوبة إلى محمد صلّى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها، أنا لها» فيذهب فيشفع عند الله تعالى فى أن يأتى لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى فى ذلك، وهى