للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧).

فمن المعانى على ترتيب نزولها، كشف الآيات الكريمة لحال المعرضين المكذبين وكيف فسدت تصوراتهم وضلّ فكرهم، ومن هذا ما حكاه القرآن الكريم من قولهم:

أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بمكة زنادقة؛ فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله، أيفقره الله ونطعمه نحن؟. وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئة فيقولون: لو شاء الله لأغنى فلانا، لو شاء الله لأعز، ولو شاء الله لكان كذا. فأخرجوا هذا الجواب فخرج الاستهزاء بالمؤمنين، وبما كانوا يقولون من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى «١»، وقيل:

إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال: يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: نعم. قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال:

ابتلى قوما بالفقر، وقوما بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء. فقال:

والله يا أبا بكر ما أنت إلا فى ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت؟ فنزلت هذه الآية «١».

وتذكر الآيات الكريمة بعد ذلك قول المكذبين بالبعث، واستبعادهم وقوعه وأن ذلك قريب وسيجدون أنفسهم مأخوذين فجأة وهم فى لهوهم وجدالهم، وسيجدون أنفسهم بعد نفخة الصور مسرعين إلى ربهم للحساب العادل، قال تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤).

وبعد ذكر الحساب العادل تذكر الآيات الكريمة ما يصير إليه الناس من فريقين:

فريق الجنة وما أعدّ لهم من نعيم، وفريق المجرمين الذين اتبعوا الشيطان كفرا وضلالا ليجدوا عاقبة كفرهم جهنم وليجدوا أن جوارحهم تنطق بما صنع هؤلاء فى حياتهم.

قال تعالى: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى


(١) القرطبى ١٥/ ٣٧.

<<  <   >  >>