ونسمع كتاب أحيط بهالة من الإجلال والتقديس، كالقرآن الكريم، حتى لقد وصفه الحق جل شأنه كِتابٍ مَكْنُونٍ وحكم بأنه لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وأقسم على ذلك حيث
٧٥ - ٨٠]. ولذلك كان من إجلال القرآن وتعظيمه عد إباحة كتابته على الجدران سواء كانت جدران مساجد، أم جدران منازل أم غير ذلك.
أما جدران المساجد فقد اتفق الأئمة على كراهة كتابة شيء من القرآن عليها.
حيث قال المالكية: إن كانت الكتابة في القبلة كرهت، لأنها تشغل المصلي سواء كان المكتوب قرآنا أو غيره، ولا تكره فيما عدا ذلك.
وقال الشافعية: يكره كتابة شيء من القرآن على جدران المسجد وسقوفه ويحرم الإسناد لما كتب فيه من القرآن بأن يجعله خلف ظهره.
وقال الحنابلة: تكره الكتابة على جدران المساجد وسقوفه وإن كان فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله.
وقال الحنفية: لا ينبغي الكتابة على جدران المسجد خوفا من أن تسقط وتهاون بوطء الأقدام.
فهذه أقوال الأئمة، نجد فيها المالكية يعللون الكراهة بانشغال المصلي، والحنفية يعللونها بالخوف من سقوط المكتوب، ثم الإجماع منهم جميعا بصفة عامة على الكراهة.
وأما جدران المنازل وما شابهها، فإن علة الكراهة قائمة بسبب عدم التحرز من تطاير النجاسات أو عبث الصبيان، فقد قال القرطبي: ومن حرمته - أي القرآن - ألا يكتب على حائط كما يفعل بهذه المساجد المحدثة. ثم روي عن محمد بن الزبير قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث قال: مر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بكتاب في أرض.
فقال لشاب من هذيل:«ما هذا؟» قال من كتاب الله كتبه يهودي، فقال:«لعن الله من فعل هذا، لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه». وقال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه.