التجني والافتراء - وهذا التنجيم قد يكون ليبين للمؤمنين خطأهم وتعيدهم إلى الصواب في الفعل والسلوك، كقوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: ٢٥ - ٢٧]. وأوضح مثال للتدرج في التشريع تحريم الخمر وهي حبيبة إلى قلوب العرب، وتشكل جزءا من موقفهم الوجودي، ولعلك تذكر قول طرفة:
ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدك لم أخفى متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربه ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد
ولذلك يصبح تحريمها دفعة واحدة مفاجأة قد تضر بالموقف الإيماني للمتلقين، فكان أول ما نزل فيها: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة: ٢١٩] ثم كانت الخطوة الثانية فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النساء: ٤٣] ثم كانت الخطوة الأخيرة فحرمت نهائيا حين أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
٩٠ - ٩١].
والحكمة الرابعة: تأكيد إعجاز القرآن والإشارة إلى أن مصدر القرآن هو الله سبحانه وتعالى فعلى الرغم من طول تأليفه وتعدد موضوعاته، لم يتباين نسجه ولم يختلف سبكه، فهو مشتق مترابط، وفي ذلك دليل على أنه معجز خارق لكلام البشر صادر عن الربوبية التي تنزهت عن كلام البشر باختلافه، وعدم تناسبه انظر في هذا المبحث وهو (من علوم القرآن) محاضرات في الدراسات الإسلامية للدكتور:
عمر عبد الواحد.
[٦ - في احترام المصحف وتقديسه:]
يقول دكتور سيد إسماعيل في كتابه «البيان في علوم القرآن»: ليس فيما نرى