للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تهذيب " المِزِّي، و" ميزان " الذهبي مع زيادات وتحرير في العبارات وهو أنفع شيء لِلْمُحَدِّثِ وَالفَقِيهِ التالي لأثره (١).

ولم يكن الأئمة الذين عنوا بهذا الفن على استواء واحد في مقاييس النقد الذي يوجهونه لِلْرُّوَاةِ، بل كان منهم المُتَشَدِّدُ ومنهم المتساهل ومنهم المتوسط المعتدل، فمن المُتَشَدِّدِينَ، ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وابن حبان (٢) وأبو حاتم الرازي، ومن المتساهلين، الترمذي والحاكم وابن مهدي، ومن المعتدلين أحمد، والبخاري ومُسلم وبذلك تباينت الآراء في بعض الرُّوَاةِ، فمنهم من يوثقه ومنهم من يضعفه، وما ذلك إلا لاختلاف الأنظار والمقاييس التي وضعها كل إمام في نقده، بل قد يُنْقَلُ عن العالم الواحد رأيان مختلفان في رَاوٍ واحد، فقد يراه اليوم ثقة، ثم يرى منه بعد ذلك ما يضطره للعدول عن حكمه، وقد يكون الأمر عكس ذلك.

ومن الأسباب الاختلاف في التجريح والتعديل اختلاف منازع الفقهاء في الاجتهاد، فالنزاع بين أهل الحديث وأهل الرأي مشهور معروف أَدَّى إلى أن يطعن بعض أهل الحديث في بعض أئمة أهل الرأي وأن يَعُدَّهُمْ من الضعفاء لا لشيء إلا لنزعتهم الاجتهادية التي لا تتفق مع نزعة أهل الحديث، وحسبك دَلِيلاً على هذا أن إماماً جليلاً من كبار أئمة التشريع في تاريخ الإسلام وهو أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - تحامل عليه كثير من المُحَدِّثِينَ وَجَرَّحَهُ بعض علماء الجرح والتعديل مع زهده وورعه وتقواه وجلالة قدره، ونجد ذلك واضحاً مِمَّا نقله أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " في ترجمة أبي حنيفة (١٣/ ٣٢٣ - ٤٢٣) وما ذلك إلا لِدِقَّةِ مسلكه الفقهي الذي خفي على كثير من المُحَدِّثِينَ بل على كثير من أئمتهم. وقد أدى تعصب العامة من أهل الحديث إلى أن يَتَّهِمُوا أبا حنيفة بما يقطع التاريخ بكذبه.

ولعل هذا الاختلاف في ميول الناقدين وأنظارهم وتفاوتهم بين الشدة


(١) " توجيه النظر ": ص ١١٨.
(٢) بعضهم يذكره في المتساهلين وهو الأظهر.

<<  <   >  >>