للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَصْلُ الثَّانِي: السُنَّةُ مَعَ المُعْتَزِلَةِ وَالمُتُكُلِّمِينَ:

اختلفت نُقُولُ العلماء عن موقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ: هل هم مع الجمهور في القول بِحُجِّيَتِهَا بقسميها المتواتر والآحاد؟ أم ينكرون حُجِيَّتِهَا بقسميها؟ أم يقولون بِحُجِيَّةِ المتواتر وينكرون حُجِيَّةَ خبر الآحاد؟ فالآمدي ينقل لنا عن أَبِي الحُسَيْنِ البَصْرِي من المعتزلة أنه من القائلين بوجوب وقوع التعبد بخبر الواحد عقلاً (١) ويروي لنا عن الجُبَّائِي وجماعة من المُتَكَلِّمِينَ أنه لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلاً (٢) وينقل السيوطي في " التدريب " (٣) عن أَبِي عَلِيًّ الجُبَّائِي أنه لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انظم إليه خبر عدل آخر، أو عضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر، أو يكون منتشراً بين الصحابة أو عمل به بعضهم، حكاه أبو الحُسَيْنِ البَصْرِي في " المعتمد " وأطلق الأستاذ أبو نصر التميمي عن أَبِي عَلِيًّ أنه لا يقبل إلا إذا رواه أربعة.

وحكى ابن حزم: «أَنََّّ جَمِيعَ أَهْلِ الإِسْلامِ كَانُوا عَلَىَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنْ النَّبِيِِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْرِي عَلَىَ ذَلِكَ كُلَّ فِرْقَةٍ فِي عِلْمِهَا كَأَهْلِ السُنَّةِ وَالخَوَارِجِ وَالشِّيْعَةِ وَالقَدَرِيَّةِ حَتَّى حَدَثَ مُتَكَلِّمُو المُعْتَزِلَةِ بَعْدَ المِائَةِ مِنَ التَّارِيِخِ فَخَالَفُوا الإِجْمَاعَ بِذَلِكَ، وَلَقَدْ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَتَدَيَّنُ بِمَا يَرْوِي عَنْ الحَسَنِ وَيُفْتِي بِهِ، هَذَا أَمْرٌ لاَ يَجْهَلُهُ مَنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِذَلِكَ» (٤) وهو في


(١) " الأحكام ": ٢/ ٧٥.
(٢) " الأحكام ": ٢/ ٦٨.
(٣) ص ١٧.
(٤) " الإحكام " لابن حزم: ١/ ١١٤.

<<  <   >  >>