للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت عنايتهم به بالغة كما رأيت، وإذا ذكروا كتب الحديث، ذكروها معها، واختلفوا في مرتبته بينها كما رأيت.

حتى إذا كان هذا العصر الذي استطال المستشرقون على تاريخنا وعلمائنا وصحابة رسولنا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رأيت من صنيعهم في بحث السُنّة، رأينا من يقول لنا من المسلمين: إن «موطأ» مالك هو كتاب فقه وليس كتاب حديث، ذلك هو الدكتور «علي حسن عبد القادر» في كتابه «نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي».

شُبْهَةُ القَوْلِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فِقْهٍ:

يَدَّعِي الدكتور في كتابه المذكور (١) أن " المُوَطَّأ " - إذا استثنينا " المجموع لزيد " - يُعَدُّ أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام، وأنه لا يمكن أن يعتبر أول كتاب كبير في الحديث، رغم ما له ولمؤلفه الإمام مالك من مكانة في الإسلام، لأنه لم يعتبر في الأصل كتاباً في الحديث، ولم يتخذ مكاناً بجانب " الكتب الستة " - باستثناء

أهل المغرب - ولكن تقوى المتأخرين (كذا كذا) هي التي جعلتهم يدخلونه أحياناً في الكتب الصحاح، ثم أكد أنه ليس كتاب حديث بالمعنى الصحيح، إذ ليس غرضه الإتيان بالأحاديث الصحيحة فحسب، بل غرضه النظر في الفقه والقانون والعادة والعمل حسب الإجماع المدني المعترف به، ولهذا يذكر فيه فتاوى لأئمة معتبرين في مسألة موجودة ليستنتج رأيه الموافق لها، ولو كان مُحَدِّثًا لأخبرنا في ذلك بحديث لا فتوى. ثم يقول بعد بحث طويل: «وَمِنْ هُنَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا لِلْحَدِيثِ بَلْ كَانَ - زِيَادَةً عَلَىَ ذَلِكَ - شَارِحًا لِلأَحَادِيثِ مِنْ وِجْهَةِ النَّظَرِ العَمَلِيَّةِ» ثم يقول - بعد أن ذكر أخذ مالك الرأي أحياناً -: «فَمِنْ هَذَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا، وَأَنَّ الحَدِيثَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ المُعْتَمَدُ الوَحِيدُ لَدَيْهِ، بِدَلِيلِ اتِّخَاذِهِ العَمَلَ المَدَنِيَّ حُجَّةً، عَلَى أَنََّّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا حَقِيقِيًّا فَقَدْ أَعْطَى لِلْمُحَدِّثِينَ فَائِدَةً كَبِيرَةً،


(١) ص ٢٤٤ - ٢٥٢.

<<  <   >  >>