للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنهم مِمَّنْ وضعوا الحديث، وهذا ما لم أعثر عليه حتى الآن، كيف وقد قال أبو داود: «لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحَّ حَدِيثًا مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول ابن تيمية: «لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصْدَقَ وَلاَ أَعْدَلَ مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول عنهم أيضاًً: «لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُونَ الكَذِبَ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ حَتَّىَ يُقَالَ: إِنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ أَصَحِّ الحَدِيثِ» (١).

ثَانِياً - الزَّنْدَقَةُ:

ونعني بها هنا كراهية الإسلام ديناً ودولة، فقد اكتسحت دولة الإسلام عروشاً وإمارات وزعامات كانت قائمة على تضليل الشعوب في عقائدها، وإذلالها في كرامتها، وتسخيرها للأهواء والمغانم الخسيسة، وقذفها في أتون الحرب التي كانت تثيرها رغبات الفتح والتوسع في نفوس الملوك والقواد، ورأى الناس في ظلال الإسلام كرامة للفرد، واحتراماً للعقيدة، وتحريراً للعقل، وقضاء على الأوهام والأضاليل والشعوذة والتدجيل، فأقبلوا عليه يدخلون فيه أفواجاً أفواجاً. لقد كانت قوة الإسلام السياسية والعسكرية غالبة قاضية لم تُبق لدى أولئك الزعماء والأمراء والقواد أملاً ما في استعادة سلطانهم الزائل ومجدهم المنهار، فلم يجدوا أمامهم مجالاً للانتقام من الإسلام إلا إفساد عقائده، وتشويه محاسنه، وتفريق صفوف أتباعه وجنوده. وكان التزيد في السُنَّةِ أوسع ميادين الدَسِّ والإفساد لديهم، فجالوا فيه وصالوا، متسترين بالتشيع أحياناً، وبالزهد والتصوف أحياناً، وبالفلسفة والحكمة أحياناً، وفي كل ذلك إنما يتوخون إدخال الخلل في بناء ذلك الصرح الشامخ الذي أقامه محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقضى الله أن يظل أبد الدهر قائماً سليماً، يعارك الحوادث وترتد معاول الهدامين في أساسه إلى نحورهم خزايا نادمين.

ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين، وَيُشَوِّهُوا كَرَامَتَهُ لَدَى العُقَلاَءِ وَالمُثَقَّفِينَ، ولينحدروا بعقيدة العامة إلى درجة من السخف تثير سخرية


(١) " منهاج السُنَّةِ ": ٣/ ٣١.

<<  <   >  >>