للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطبة جالساً وعلى اتخاذه المقصورة وزيادة درجات المنبر بالحديث؟ نحن لا ننازع في وقوع هذه الحوادث، ولكن الذي ننازع فيه اتخاذ هذه الحوادث التي وقعت من أصحابها اجْتِهَادًا ولظروف خاصة اقتضتها، دليلاً على أنهم أرادوا تغيير ألحياة الدينية ووضعوا أحاديث لذلك، وهذا ما لم يقع، بل الواقع أن هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يخبطون فيه على غير هدى، ويتوهمون الأمر فيحكمون فيه بحكم قاطع، ثم لا يستطيعون أن يجدوا لما يتخيلوا دليلاً.

وأما زعم المستشرق بأنه مِمَّا لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ قد اختفت عند مجيء العباسيين، فهذا الذي لا يشك فيه المستشرق هو عندنا كل الشك، إذ نحن نسأله: أين هي هذه الأحاديث؟ وكيف اختفت؟ وكيف عمل العباسيون على إخفائها نهائياً؟ هل منعوا علماء الحديث من ذكرها في أسانيدهم؟ نعم لئن كان اختفى بعض الحديث في عصر دُونَ عصر فذلك اختفاء الكذب حين يفتضح، والباطل حين ينهزم، وانما يختفي من ميادين الكتب الصحيحة والمسانيد الموثوقة، أما أن تختفي من الوجود هي وأصحابها وَرُوَّاتِهَا ومُدَوِّنُوها، فهذا ما لم نعلم له مثيلاً في تاريخنا، وَنَتَحَدَّاهُمْ أن يأتونا بمثال واحد عليه.

١٠ - كَذِبُ الصَّالِحِينَ وَتَدْلِيسُ المُحَدِّثِينَ:

ثم استدل المستشرق لتأييد قوله بما قدح به بعض العلماء «فمن ذلك: قول المُحَدِّثِ أبي عاصم النبيل: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ»، ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان، ويقول وكيع عن زياد بن عبد الله البَكَّائي: «إِنَّهُ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَانِ كَذُوباً» (وقد سبق إنكار ابن حجر ورود هذه الكلمة فيه). ويقول يزيد بن هارون: «إن أهل الحديث بالكوفة في عصره ما عدا واحداً كانوا مدلِّسين حتى السفيانان ذُكرا في المُدَلِّسِينَ».

قدَّمنا لك في أوائل هذه الرسالة جهود العلماء لمقاومة الوضع والوَضَّاعِينَ وأنه كان من مظاهر هذه الجهود نقد الرُواة نقداً دقيقاً وتصنيفهم

<<  <   >  >>