للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوزجاني في " الموضوعات " وقال: «هَذَا حَدِيْثٌ بَاطِلٌ جَاءَ بِإِسْنَادٍ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيِعَةِ».

وَيُجَابُ بأن عمل أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من أكابر الصحابة بالنقول الثابتة عنهم، وعمل من بعدهم من علماء السلف كاف عندنا للدلالة على ما نقول.

ولا شك في أنَّ أحاديث الآحاد بما حَفَّ بها من ظنون في طريق ثبوتها يجعلها في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت، وأما من حيث الاجتهاد وفهم النصوص فلا بد من الرجوع إلى السُنَّةِ قبل تنفيذ نصوص القرآن، لاحتمال تخصيص السُنَّةِ لها أو تقييدها، أو غير ذلك من وجوه الشرح والبيان التي ثبتت لِلْسُنَّةِ، فهي من هذه الناحية متساوية مع القرآن من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض، وهذا لا ينازع فيه أحد مِمَّنْ يقول بِحُجِيَّةِ السُنَّةِ.

هَلْ تَسْتَقِلُّ السُنَّةُ بِالتَشْرِيعِ؟:

لا نزاع بين العلماء في أنَّ نصوص السُنَّةِ على ثلاثة أقسام:

أولاً: ما كان مُؤَيِّدًا لأحكام القرآن، موافقاً له من حيث الإجمال والتفصيل وذلك مثل الأحاديث التي تفيد وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها، فإنها موافقة للآيات التي وردت في ذلك، كحديث: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً».

فإنه موافق لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (١) ولقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٢) ولقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (٣)


(١) [سورة البقرة، الآية: ٨٣].
(٢) [سورة البقرة، الآية: ١٨٣].
(٣) [سورة آل عمران، الآية: ٩٧].

<<  <   >  >>