للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقُصَارَى القول أنَّ علماءنا بَيَّنُوا أسباب اختلاف الحديث، فما كان مرجعه إلى الوضع بَيَّنُوهُ، وما كان مرجعه إلى غير ذلك بَيَّنُوهُ أيضًا، وَقَدْ صَنَّفُوا فِيهِ كُتُبًا قَيِّمَةً من أشهر من ألَّفَ فيه الإمام الشافعي، وابن قُتيبة، والطحاوي وغيرهم، فَالزَّعْمُ بأنَّ ذلك دليل على وضع الأحاديث المخلتفة كُلُّهَا زَعْمٌ بَاطِلٌ، وأشد منه بُطْلاَناً أنْ يَتَّخِذّ ذلك دليلاً على تَدَخُّلِ الحكومة الأمويَّة في الوضع ودعوتها إليه.

٧ - هَلْ تَدَخَّلَ مُعَاوِيَةُ فِي الوَضْعِ؟:

ولا ينسى جولدتسيهر أنْ يأتي لنا بدليل آخر، فيروي عن معاوية أنه قال للمُغيرة بن شُعبة: (*) «ولا تهمل أنْ تَسُبَّ عَلِيّاً، وأنْ تطلب الرحمة لعثمان، وَأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ، وَتَضْطَهِدَ من أحاديثهم، وعلى الضد مِنْ هذا أنْ تمدح عثمان وأهله وأنْ تُقََرِّبَهُمْ وتسمع إليهم». ثم يقول جولدتسيهر: «على هذا الأساس قامت أحاديث الأُمَوِيِّينَ على عَلِيٍّ».

انظر إلى هذا الدليل! معاوية يقول لأحد أتباعه أو أمرائه: اضطهد أصحاب عَلِيٍّ وقرِّبْ إليك أصحاب عثمان، فأي شيء في هذا يدل على وضع الأحاديث؟ أليس هذا ما يقع دائماً في كل حكومة مع أنصارها وَخُصُومِهَا في الرأي؟ فما علاقة ذلك بوضع الحديث؟ وأين تجد معاوية يقول للمُغيرة: لا تهمل في أنْ تضع الأحاديث على عَلِيٍّ، وأنْ تضع الأحاديث في عثمان؟ لو قال ذلك معاوية لكان دليلاً على ما يزعم، ولكن أين قال ذلك؟ وكيف نعلم ذلك من النص الذي نقله؟.

أما قول معاوية: «وَأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ وَتَضْطَهِدَ من أحاديثهم» واستدلال المستشرق على أنَّ بعض الحديث قد اضطهد فَهَا هُنَا مجال العِبْرَةِ لمن يحسن الظن بعلم المُسْتَشْرِقِينَ وأمانتهم، إنَّ أصل العبارة كما رواها الطبري (١): «لاَ تَحْجِمْ عَنْ شَتْمِ عَلَيٍّ وَذُرِّيَّتَهُ، وَالتَّرَحُّمَ عَلَىَ عُثْمَانَ وَالاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَالعَيْبَ عَلَىَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَالإِقْصَاءِ لَهُمْ، وَتَرْكُ الاسْتِمَاعِ


(١) ٦/ ٤١.

<<  <   >  >>