للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دالة على ما كان عليه النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو حال، ولا يعتبر عملهم حُجَّةً إلا إذا كانوا مجمعين عليه متوارثين العمل به جيلاً بعد جيل حتى عهد الرسول الكريم، وهو يرى أنهم لا يلتزمون أمراً ويعملون به جميعاً إلا إذا كان أمراً مشروعاً عمل به الصحابة في عهد الرسول وأقرهم عليه ثم توارثه من بعدهم ودرجوا عليه.

وعمل أهل المدينة عنده أقوى من حديث الاَحاد، فإذا تعارض خبر الواحد مع عمل أهل المدينة رجح الثاني، ومن هنا استدرك عليه الليث بن سعد سبعين سُنَّةً ترك الأخذ بها وهي في " موطئه "، ولم يوافقه بقية الأئمة والعلماء من بعده على هذا. وَمِمَّنْ ناقشه في ذلك الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -، وتتالى العلماء من بعده يناقشونه في ذلك، ومن أشهر من رَدَّ عليه حُجِيَّةَ عمل أهل المدينة ابن حزم، فقد ناقشه في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " نقاشاً قوياً، وكذلك رَدَّ عليه في بحوث متفرقة من كتابه " المُحَلَّى " وهو شديد الوطأة في نقاشه العلمي مع كل من يخالفهم (١).

وقد انتشر مذهب مالك في كثير من أقطار العالم الإسلامي وخاصة في المغرب (*) ومصر.

" المُوَطَّأُ ": - مَكَانَتُهُ - رِوَايَاتُهُ وَأَحَادِيثُهُ - شُرُوحُهُ:

ولعل أشهر ما عرف به الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، كتابه " المُوَطَّأ " الذي ألفه بإشارة من المنصور حين حج وطلب إليه أن يُدَوِّنُ كتاباً جامعاً في العلم يتجنَّبُ فيه شدائد ابن عمر وَرُخَصَ ابن عباس، وأن يُوَطِّئَهُ للناس، فألف كتابه هذا، وسمَّاه " المُوَطَّأ " وذكر السيوطي لهذه التسمية سبباً آخر، وهو ما روي أن مالكاً قال: «عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى سَبْعِينَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ وَاطَأَنِي عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ " المُوَطَّأ "» ثم جاء المهدي حَاجًّا فسمعه منه وأمر له بخمسة آلاف دينار ولتلاميذه بألف، ثم رحل إليه الرشيد في


(١) انظر " الإحكام ": ٢/ ٩٧ - ١٢٠.

<<  <   >  >>