للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الطريق أَبِقَ غُلاَمٌ لأبي هريرة، فلما قدم على النَّبِيّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبايعه ظهر الغلام فقال له الرسول: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ» فَقَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ: «هُوَ [حُرٌّ] لِوَجْهِ اللَّهِ» (١)، أعتقه فرحاً بلقائه رسول الله ومبايعته على الإسلام!

ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة مثلاً من أمثلة الصدق في محبة الرسول واعتناق الإسلام، وفي الشكر على نعمة الله بلقاء رسوله ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره، ولعمري إنه مَثَلٌ يجد فيه المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقةً ورضى واطمئناناً.

ولكن «أَبَا رَيَّةَ» وقد امتلأت نفسه ضغناً على أبي هريرة، لم ير في قصة إسلامه إلا قصة من قصص التشرد التي تحمل الجائع على التنقل من بلد إلى بلد ليملأ بطنه! ولم ير في صحبته لرسول الله إلا ذلك الرجل المتسول الذي هَمُّهُ في الحياة أن يسد جوعه ويشبع نهمته! هل يرضى أَبُو رَيَّةَ هذه الصورة لنفسه؟ أم هل يرضاها لولده؟ أم هل يرضاها لأحد أصدقائه؟ فكيف ارتضاها لصحابي من صحابة رسول الله مهما كان رأي أَبِي رَيَّةَ فيه، فلا شك أن جمهور علماء الإسلام منذ عصر التَّابِعِينَ حتى اليوم يرونه المثل الكريم لحامل أمانة العلم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

سَادِسًا: قِصَّةُ جُوعِهِ وَمُلاَزَمَتِهِ لِلْرَّسُولِ:

كَرَّرَ «أَبُو رَيَّةَ» القول عن فقر أبي هريرة وأنه لفقره اتَّخَذَ سبيله إلى الصُفَّة، فكان أشهر مَنْ أَمَّهَا ثم صار عَرِيفًا لمن كانوا يسكنونها (٢).

١ - ولعمري إن أَبَا رَيَّةَ لا يخجل من الله ولا من الناس، فلا الفقر وسكنى الصُفَّة عيباً ومهانةً عند الله ورسوله، ولا هو عيباً ومهانة عند ذوي النفوس الكريمة التي نبتت في ظلال المكرمات من الأعمال والصفات، وإنما يكون عيباً عند أَخِسَّاءِ النفوس الذين لا يرون العزة ولا الكرامة إلا في المال والوجاهة.


(١) انظر " فتح الباري ": ٨/ ٨٣. و"الكُنى والأسماء ": ١/ ٦١.
(٢) ص ١٥٤.

<<  <   >  >>