للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١ - أن يستمر حفظ الراوي لمرويه منذ التحمل إلى وقت الأداء من غير تخلل نسيان.

١٢ - ألا يخالف العمل المتوارث بين الصحابة والتَّابِعِينَ دُونَ تخصيص ببلد.

١٣ - ألا يعول الراوي على خَطِّهِ ما لم يذكر مرويه.

ذلك هو أهم ما اشترطه أبو حنيفة لصحة خبر الآحاد والعمل به (١)، ولاشك أن المُحَدِّثِينَ لا يوافقونه على أكثر هذه الشروط إن لم نقل كلها، وغيره من الأئمة يخالفونه في بعضها، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن رأيه، أو الانتصار له، إنما الذي يهمنا أن نعرف عذر أبي حنيفة فيما تركه من أخبار الآحاد.

إذا تبين لك هذا، عرفت أن ما يتهم به أبو حنيفة من تركه السُنَّةَ وأخذه بالرأي، إن كان ذلك عن اجتهاد، فلا حرج عليه، وقد فعله أئمة قبله وأئمة بعده، وإن كان عن هوى وعناد، فحاشا لله أن يفعل ذلك أبو حنيفة، وهو الذي ثبتت إمامته وورعه ووقوفه عند حدود الله ورسوله.

أَمْثِلَةٌ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ:

وإليك بعد هذا، أمثلة من اجتهاده الذي خالف فيه بعض الأحاديث، وبيان وجهة نظره.

١ - اجتمع أبو حنيفة بالأوزاعي في دار الخياطين وتباحثا في العلم، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «لِمَاذَا لاَ تَرْفَعُونَ أَيْدِيكُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ؟»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «لأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «كَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةََ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ "؟»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ


(١) انظر " أصول " السرخسي: ١/ ٣٦٤ و" كشف الأسرار " للبزدوي، و" التقرير وشروحه " و" مسلَّم الثبوت " و" شرحه " في بحث خبر الآحاد.

<<  <   >  >>