للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرُوِيَ عن ابن مسعود: «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَهُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ [فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]» (*). وقدمنا لك أن سُنَّةَ الشيخين إذا عرضت لهما حادثة أن ينظرا في كتاب الله فإن لم يَجِدَا حكمها فيه، نظرا إلى سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومثل ذلك كثير في كلام الصحابة والتا بعين والأئمة والمُجْتَهِدِينَ.

وقد يعارض ما ذكرناه بما رُوِيَ عن بعض العلماء من أن السُنَّةَ قاضية على الكتاب، إذ هي تبين مُجْمَلَهُ، وتُقيِّدُ مطلقَه وتخصص عامه، فيرجع إليها ويترك ظاهر الكتاب، وقد يحتمل نص الكتاب أمرين فأكثر، فتعين السُنَّة أحدهما، فيعمل بها ويترك مقتضى الكتاب، ألا ترى أن آية السرقة قاضية بقطع كل سارق، فَخَصَّتْهَا السُنَّةُ بمن سرق نصاباً محرزاً، وهي تفيد قطع اليد، واليد تصدق من الأصابع إلى المرفقين، فخصتها السُنَّةُ بِالكُوعَيْنِ، وكذلك اَيات الزكاة شاملة لكل مال فَخَصَّتْهَا السُنَّةُ بأموال مخصوصة، وقال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (١) فَخَصَّصَتْ السُنَّةُ هذا العموم بنكاح المرأة على عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا ومثل ذلك كثير.

وهذا من شأنه أن نقول بتقديم السُنَّةُ على الكتاب، وإلا فبمساواتها له. ويُجاب بأن عمل السُنَّةُ في مثل هذه الحالات تَبْيِينُ مُرَادِ الله في كتابه، فهي في آية السرقة تبين أن المراد بالقطع قطعهما إلى الكوعين لا المرفقين، وأن المراد بالسارق سارق نصاب مُحرز، فهي في هذه الحالة لم تثبت حُكْمًا جديدً وإنما أوضحت وفسرت ما كان مجملاً أو محتملاً، وهذا هو المراد بقول بعضهم أن السُنَّةَ قاضيةٌ على الكتاب، أي: مبيِّنَةٌ له، لا أنها مقدمة عليه.

وقد يعترض أيضاًً بأن الأثر عن معاذ فيه مقال كثير، فقد قال الترمذي عنه: «لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ» (٢) وَعَدَّهُ


(١) [النساء: ٢٤]
(٢) ٦/ ٧٠: " بشرح ابن العربي ".

<<  <   >  >>