للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها في معرفة الحلال والحرام، وقد ذكرنا في الفصول السابقة ما يدل على هذا في كتاب الله وقول رسوله، غير أن الذي نريد بحثه الآن، هو مكانة السُنَّةِ بالنسبة للكتاب، هل هي معه على استواء واحد أم هي متأخرة عنه في المرتبة؟.

وَمِمَّا لا ريب فيه أن متن القرآن قطعي الثبوت، ثم منه ما هو قطعي الدلالة ومنه ما هو ظنيها، أما السُنَّةُ: فالمتواترة منها قطعية الثبوت، وغير المتواترة ظني الثبوت في تفصيله وإن كان قطعياً في جملته، ومرتبة ظنيِّ الثبوت في نوعيه قطعي الدلالة وظنيها، يأتي بعد مرتبة قطعي الثبوت بنوعيه، قطعي الدلالة وظنيها، ومن هنا كانت مرتبة السُنَّةِ بعد مرتبة الكتاب.

وأيضاًً فإِنَّ السُنَّةَ إما أن تكون بياناً للكتاب أو زيادة عليه، فإن كانت بياناً فهي في الاعتبار بالمرتبة الثانية عن المُبَيَّنِ فإن النص الأصلي أساس والتفسير بناء عليه، وإن كانت زيادة، فهي غير معتبرة إلا بعد أن لا توجد في الكتاب وذلك دليل على - تقدم اعتبار الكتاب.

هذا ما يدل عليه النظر العقلي، وقد تأيد ذلك بجملة من الأخبار والآثار، من ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود والترمذي: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟» قال: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِيِ» (١).

وَمِمَّا كتبه عمر إلى شُرَيْحٍ القاضي: «إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فَاقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ فَإِنْ أَتَاكِ بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَاقْضِ بِمَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلخ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «إِذَا وَجَدَتْ شَيْئًا فِي كِتَابِ اللهِ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَىَ غَيْرِهِ» وَقَدْ بَيَّنَ المُرَادَ مِنْ هَذَا فِي رِوَايَةِ أُخْرَىَ «انْظُرْ مَا تَبَيَّنَ لَكَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ فِي كِتَابِ اللهِ فَاتَّبِعْ فِيهِ سُنَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.


(١) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: «ليس إسناده عندي بمتصل»، وقد عَقَّبَ ابن العربى بقوله: «هو حديث مشهور» (" شرح ابن العربى للترمذي ": ٦/ ٦٩).

<<  <   >  >>