للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من يكون الخليفة من بعده؟! .. ومعلوم أن مخالفة الرسول عن عمد عصيان وفسق إلا إذا كان مع استحلال فيكون كفراً، ليت شعري إذا كذب صحابة الرسول جميعاً على رسول الله وكتموا أمره بالوصاية لِعَلِيٍّ حتى أصبحوا جميعاً فُسَّاقًا أو كفاراً، كيف نطمئن إلى هذه الشريعة التي لم تُرْوَ إلا عن طريقهم؟ وهل يليق برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون صحابته كَذَّابِينَ مُخَادِعِينَ اجتمعوا كافتهم على كتمان الحق ومناصبة صاحبه العداء؟

وكما وقف الشِّيعَةُ من حديث الجمهور ذلك الموقف، كذلك وقف الخوارج موقفاً شبيهاً به، وهم وإن لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما فعل أَغْمَارُ الشِّيعَةِ، نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة طباعهم وَبُعْدِهِمْ عن الأخذ بمذهب التَّقِيَّةِ الذي يؤمن به الشِّيعَةُ، لكنهم خالفوا الجمهور في مواقف تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة، مِثْلَ إِبَاحَتِهِمْ الجَمْعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وإنكارهم حكم الرجم الوارد في السُنَّةِ، ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، بل كان سببه ما ذهبوا إليه من رَدِّ الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رُوَّاتُهَا بالفتنة. وإنه لبلاء عظيم أن تسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع مع عَلِيٍّ ومعاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم في هذا الرأي لاَ يَقِلُّونَ عن الشِّيعَةِ خَطَرًا وَفَسَادَ رَأْيٍ وَسُوءَ نَتِيجَةٍ، وإذا كان مدار الاعتماد على الرواية هي صدق الصحابي وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شيء عن طبيعتهم ودينهم وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟ أليس ذلك كمن يُسْقِطُ زعيماً وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه، من عداد الزعماء وَيُجَرَّدُ مِنْ صِفَةِ الوَطَنِيَّةِ، وينكر فضائله كلها، ويرد أخباره كلها، لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ، أو لأنه حارب زعيماً وطنياً آخر وناصبه العداء، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق، فأولى أَلاَّ يجوز حكم الشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ

<<  <   >  >>