للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» وكذَّبَهُ أيضاًً في روايته انشقاق القمر، وفي رؤيته الجن ليلة الجن، ثم إنه قال في كتابه: «إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وأنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي فنسبهم إلى إيثار الهوى على الدين» (١). وقد ذكر الإمام البغدادي بعد ذلك (٢): «أن نسبة النَظَّامِ الصحابة إلى الجهل والنفاق يترتب عليه خلود أعلام الصحابة في النار على رأي النظام، لأن الجاهل بأحكام الدين عنده كافر والمتعم للخلاف بلا حُجَّةٍ عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار على الخلود».

هذا ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي ووافقه على أكثر ما فيه الشهرستاني صاحب «الملل والنحل» المتوفى سُنَّة (- ٥٤٨ هـ). ومنه نرى أن المعتزلة ما بين شاك بعدالة الصحابة منذ عهد الفتنة كـ «واصل»، وما بين موقن بفسقهم كـ «عمرو بن عبيد» وما بين طاعن في أعلامهم، متهم لهم بالكذب والجهل والنفاق كالنظّام، وذلك يوجب ردهم للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهما، وأن أخبار الآحاد لا تثبت عند أبي الهذيل حكماً إلا إذا رواها عشرون، بينهم واحد من أهل الجنة، وأن النظام ينكر حُجية الإجماع والقياس وقطعية التواتر.

وقد كان لموقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ هذا الموقف المتطرف المباين لعقيدة جمهور المُسْلِمِينَ أثر كبير في الجفاء بين علماء السُنَّةِ ورؤوس المعتزلة، تراشق على أثره الفريقان التُّهَمَ، فالمعتزلة يرمون المُحَدِّثِينَ بروايتهم الأكاذيب والأباطيل، وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يَرْوُونَ


(١) " الفرق بين الفرق ": ص ٨٩ - ٩٠.
(٢) ص ١٩٢.

<<  <   >  >>