للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَتْرَى». وَرَوَى أَيْضًا أَنَّ غُلاَمَ ثُمَامَةَ قَالَ لِثُمَامَةَ يَوْمًا: «قُمْ صَلِّ». فَتَغَافَلَ ثُمَامَةُ، فَقَالَ لَهُ غُلاَمُهُ: «قَدْ ضَاقَ الوَقْتُ، فَقُمْ وَصَلِّ وَاسْتَرِحْ»، فَقَالَ: «أَنَا مُسْتَرِيحٌ إِنَّ تَرَكْتَنِي» (١).

وَأَيًّا مَا كان فقد تطور الجفاء بين الفريقين إلى أن وقعت فتنة خلق القرآن التي حمل المأمون لواءها سَنَةَ ٢١٨ وجعل الدولة رسمياً تجبر الناس على ما لا يعتقدون وكان لِلْمُحَدِّثِينَ موقف مُشَرِّفٌ في الدفاع عن الحق، إذ صمدوا للإغراء والتهديد والوعيد، بل وللسجن والقتل، وما لقيه إمام السُنَّةِ أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللهُ - في ذلك من سجن وضرب مدى ثلاثة عشر يَوْماًً أبلغ دليل على ما نال علماء السُنَّةِ من اضطهاد وأذى، حتى وَلِيَ المتوكل الخلافة سَنَةَ ٢٣٢ فأعلن ميله إلى أهل السُنَّةِ، وأزال عن الناس تلك المحنة، ورفع من أقدار المُحَدِّثِينَ، وتضاءل المعتزلة بعد ذلك حتى لم تقم لهم من بعدها قائمة، وقد أدى - مع الأسف - هذا الصراع إلى نتيجتين خطيرتين فيما يتعلق بِِالسُنَّةِ:

أَوَّلَهُمَا - ما فتحه رؤساء المعتزلة من ثغرات في مكانة الصحابة استطاع منها أن يلج المُتَعَصِّبُونَ من المُسْتَشْرِقِينَ حمى أولئك الذادة الميامين من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يجرؤوا على رميهم بالكذب والتلاعب في دين الله، مستندين إلى ما افتراه النَظَّامُ وأمثاله عليهم، وما استطال بلسانه على مقامهم، وقد تبع المُسْتَشْرِقِينَ في هذا بعض الكُتَّابِ المُسْلِمِينَ، كما ستطلع عليه من صنع الأستاذ أحمد أمين وبعض أدعياء العلم المغرورين.

ثَانِيهِمَا - أن جمهور المعتزلة كانوا في الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، حتى إن بشراً المريسي الذي كان من أبرز رؤوس المعتزلة في عصره، قالوا: إنه كان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف (٢) فلما أشرعت الخصومة بين أهل


(١) " الفرق بين الفرق ": ص ١٠٤.
(٢) " الفرق بين الفرق ": ص ١٢٤.

<<  <   >  >>