للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مردودة باتفاق، قال ابن حزم: «لَيْسَ فِي الحَدِيثِ الذِي صَحَّ شَيْءٌ يُخَالِفُ القُرْآنَ». وقال مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسَرَّةَ: «الحَدِيثُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: فَحَدِيثٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي القُرْآنِ فَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فَي القُرْآنِ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ وَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي القُرْآنِ فَهُوَ مُطَّرَحٌ». قال علي بن أحمد (يعني ابن حزم نفسه): «لاَ سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لِمَا فِي القُرْآنِ أَصْلاً، وَكُلُّ خَبَرٍ شَرِيعَة فَهُوَ إِمَّا مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَمُفَسِّرٌ لِجُمْلَتِهِ، وَإِمَّا مُسْتَثْنَى مِنْهُ مُبَيِّنٌ لِجُمْلَتِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ» (١)، إذا كان كذلك فلا وجه - فيما يظهر لي - للحكم على المتن بالوضع إذا كان لفظه «فَمَا لَمْ يُوَافِقْ أَوْ مَا خَالَفَ فَمَرْدُودٌ» وقد تأَيَّدَ لي هذا بما رأيته للشاطبي - رَحِمَهُ اللهُ - بعد كتابة ما تقدَّمَ حيث قال عند الكلام عن هذا الحديث ما خلاصته: «فَإِنَّ الْحَدِيثَ [إِمَّا] وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ [صِرْفٌ، وَإِمَّا اجْتِهَادٌ مِنَ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- مُعْتَبَرٌ بِوَحْيٍ صَحِيحٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ] لاَ يُمْكِنُ فِيهِ التَّنَاقُضُ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ ... نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ السُّنَّةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلاَ مُوَافَقَةٌ، بَلْ بِمَا يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي القُرْآنِ؛ إِلاَّ إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلاَفِ هَذَا الْجَائِزِ، [وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ]؛ فَحِينَئِذٍ لاَ بُدَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحَدِيثُ الْمَذْكُورُ؛ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ صَحَّ سَنَدُهُ أَوْ لاَ». (٢) فتَدَبَّرْ .. وبذلك لا يكون في الحديث حُجَّةٌ لصاحب الشُبهة أصلاً حتى ولو صَحَّ سَنَدُهُ، لأننا نقول به.

وأما الحديث الثاني: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلاَ تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ ... الخ» فرواياته ضعيفة، قال فيه أبو محمد بن حزم: «هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَالأَصْبَغُ مَجْهُولٌ»، وَفِيهِ أَيْضًا مَا نَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " فصَدِّقُوا بِهِ، قُلتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ "، فحاشا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله «مَن كَذَب عَلَيّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِن النّارِ» ثم قال ابن حزم: «و [عبد الله بن سعيد] (*) - أحد رُوَّاةُ


(١) " الإحكام " لابن حزم: ٢/ ٨٠ - ٨٢.
(٢) الموافقات ٤/ ٢١
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[انظر " الموافقات " للشاطبي، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان: ٤/ ٣٣٥، الطبعة الأولى: ١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م، نشر دار ابن عفان].

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) [هو (عَبد اللَّهِ بن سَعِيد بن أَبي سَعِيد، واسمه كيسان، المقبري، أَبُو عباد الليثي، مولاهم، المدني) وليس عبيد الله بن سعيد، قال ابن حجر: « ... وفي سند الثاني منهما عبد اللَّه بن سعيد كذّاب مشهور، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الدار الدّارقطنيّ: ذاهب، وقال الفلّاس: منكر الحديث. قال ابن حزم: «وقد ذكر قوم لا يتّقون اللَّه عز وجلّ أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإباحة الكذب عليه ثم سرد تلك الأحاديث، وفيها هذان الحديثان، وأبطلهما ما ذكرناه، ثم قال ردّا على من أباح أن ينسب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما لم يقله: «حسبنا أنهم مقرّون على أنفسهم بأنّهم كاذبون، وقد صحّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «من حدّث عنّي بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» " الإصابة " لابن حجر: تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، ١/ ٧١، الطبعة الأولى - ١٤١٥ هـ، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. وانظر أيضًا " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " للمزي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، ١٥/ ٣١، الطبعة الأولى: ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت. لبنان].

<<  <   >  >>