للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا التشريع في الإسلام وهو إعطاء الجَدَّةَ السُدُسَ، ولما كان هذا تشريعاً لم ينص عليه القراَن كان لاَ بُدَّ للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع هذا من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَتَرَدَّدْ أبو بكر في العمل بخبر المغيرة. ومثل ذلك يقال في رَدِّ عمر خبر أبي موسى فهو في الحقيقة - كما قَدَّمْنَا - درس بليغ للصحابة ومَنْ بعدهم مِمَّنْ نشأ حَدِيثًا في الإسلام أو دخل فيه بوجوب الاحتياط في حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذلك قال عُمَرُ لأبي موسى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك وَلَكِنِّهُ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، ومثل ذلك يقال في كل ما ورد من هذا القبيل، ليس وَارِداً مورد عدم الاحتجاج بخبر الآحاد، وإلا لما كان انضمام صحابي آخر إلى الصحابي الأول مُوجِبًا للعمل به، إذ هو لم يخرج عن حَيِّزِ الآحاد، ولو انضم إليه اثنان أو ثلاثة، وسيأتي معنا ما يبين لك أن الصحابة كان يسأل بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض، وَيُخَطِّىءُ بعضهم بعضاً، اجْتِهَادًا في دين الله، وَتَحَرِّيًا لنقل أحاديث الرسول خالية من كل غلطة أو وَهْمٍ، قال الآمدي: «وَمَا رَدُّوهُ مِنَ الأَخْبَارِ أَوْ تَوَقَّفُوا فِيهِ إِنَّمَا كَانَ لأُمُورٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ مِنْ وُجُودِ مُعَارِضٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، لاَ لِعَدَمِ الاحْتِجَاجِ بِهَا فِي جِنْسِهَا، مَعَ كَوْنِهِمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُجَّةٌ، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهَا وَالتَّوَقُّفُ فِيهَا لأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا» (١).

وبعد فهذه هي شُبَهُ المُنْكِرِينَ لِحُجِيَّةِ خبر الآحاد كما ذكرها العلماء، بقي أن نذكر ما تقوم به الحُجَّةُ على أن خبر الآحاد واجبٌ العملُ به، لا يجوز لمسلم أن يخالفه إذا صح عنده، وقد ذكر علماء الأصول أدلة كثيرة في بعضها مَقَالٌ وَأَخْذٌ وَرَدٌّ (٢) فرأيت أن أذكر لك من كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - كلامه في هذا الشأن على طوله، لأنه - على ما أعلم -


(١) " الإحكام ": ١/ ١٧٧.
(٢) انظر كتاب " الإحكام " للآمدي: ٢/ ٢٧٥ فما بعدها وانظر " التقرير شرح التحرير ": ٢/ ٢٧٢ وانظر بهامشه " شرح الإسنوي على المنهاج ": ٢/ ٢٩٤.

<<  <   >  >>