فيها للمستشرق المعروف «آربري» واختصاصه في اللغة العربية فحسب.
وقد قال لي - خلال أحاديثي معه -: «إِنَّنَا - نَحْنُ المُسْتَشْرِقِينَ - نَقْعَ فِيْ أَخْطَاءٍ كَثِيْرَةٍ فِيْ بُحُوثِنَا عَنْ الإِسْلاَمِ، وَمِنَ الوَاجِبِ أَنْ لاَ نَخُوضَ فِي هَذَا المَيْدَانِ لأَنَّكُمْ - أَنْتُمْ المُسْلِمِينَ العَرَبَ - أَقْدَرُ مِنَّا عَلَىَ الخَوْضِ فِي هَذِهِ الأَبْحَاثِ».
وفي مانشستر (إنكلترا) اجتمعت بالبروفسور «رُوبْسُونْ» وكان يقابل " سنن أبي داود " على نسخة مخطوطة، وله كتابات في تاريخ الحديث، يتفق فيها غالباً مع آراء المُسْتَشْرِقِينَ المُتَحَامِلِينَ، وقد حرصت على أن أُبَيِّنَ له أن الدراسات الاستشراقية السابقة فيها تَحَامُلٌ وَبُعْدٌ عَنْ الحَقِيقَةِ، وتعرضت لآراء جولدتسيهر وَأَثْبَتُُّّ له أخطاءه التاريخية والعلمية، فكان مِمَّا أجاب به عنه:«لاَ شَكَّ أَنَّ المُسْتَشْرِقِينَ فِي هَذَا العَصْرِ أَكْثَرَ إِطِّلاَعًا عَلَى المَصَادِرِ الإِسْلاَمِيَّةِ مِنْ جُوَلْدْتْسِيهِرْ نَظَرًا لِمَا طُبِعَ وَنُشِرَ وَعُرِفَ مِنْ مُؤَلَّفَاتٍ إِسْلامِيَّةٍ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فِي عَصْرِ جُوَلْدْتْسِيهِرْ»، فَقُلْتُ لَهُ:«أرجو أن تكون أبحاثكم - المُسْتَشْرِقِينَ - في هذا العصر أقرب إلى الحق والإنصاف من جولدتسيهر، ومرجليوث، وأمثالهما، فقال: أرجو ذلك».
وفي جامعة «ليدن» بهولندا اجتمعتُ بالمستشرق اليهودي «شَاخْتْ» وهو الذي يحمل في عصرنا هذا رسالة «جولدتسيهر» في الدَسِّ على الإسلام والكيد له وتشويه حقائقه، وباحثته طويلا في أخطاء «جولدتسيهر» وتعمُّدِهِ تحريف النصوص التي ينقلها عن كتبنا، فأنكر ذلك أول الأمر، فضربت له مثلاً واحداً مِمَّا كتبه جولدتسيهر في تاريخ «السُنّة» - وهو ما نقلناه عنه في هذا الكتاب - وكيف حرَّفَ قول الزُّهْرِي:«إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ «الأَحَادِيثَ» إلى لفظ «عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» فاستغرب ذلك، ثم راجع كتاب جولدتسيهر - وكنا نجلس في مكتبته الخاصة - فقال: معك الحق أن جولدتسيهر أخطأ هنا، قلت له: هل هو مجرد خطأ؟ فاحتدَّ وقال: لماذا تسيئون به الظن؟ فانتقلت إلى بحث تحليله لموقف الزُّهْرِي من عبد الملك بن مروان، وذكرت له من الحقائق التاريخية