للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن المؤلف - لغرض في نفسه سبق التنبيه إليه - يريد أن يُشكِّكَنا في هذه الحقيقة، فزعم أَوَلاًً أن أكثر النُقَّاد عدَّلُوا الصحابة، مع أن النُقَّاد (جميعاً) عَدَّلُوهُم، وزعم ثَانِياًً، أن قليلاً منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، واستشهد بعبارة الغزالي، مع أن الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نُقَّاد الحديث، ولكنهم من ذوي الميول المعروفة في تاريخ الإسلام بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.

قال الحافظ الذهبي: «فَأَمَّا الصَحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَبِسَاطُهُمْ مَطْوِيٌّ وَإِنْ جَرَى مَا جَرَى ... إِذْ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَقَبُولِ مَا نَقَلُوهُ العَمَلَ، وَبِهِ نَدِينُ اللهَ تَعَالَى» (١).

قال الحافظ ابن كثير: «وَالصَحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ عِنْدَ أَهْلِ السُنَّةِ وَالجَمَاعَةِ»، ثم قال: «وَقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: الصَحَابَةُ عُدُولٌ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا قَوْلٌ بَاطِلٌ [مَرْذُولٌ] وَمَرْدُودٌ».

ثم قال: «وَأَمَّا طَوَائِفُ الرَوَافِضِ وَجَهْلِهِمْ، وَقِلَّةَ عَقْلِهِمْ، وَدَعَاوِيهِمْ أَنَّ الصَحَابَةَ كَفَرُوا إِلاَّ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا - وَسَمَّوْهُمْ - فَهُوَ مِنَ الهَذَيَانِ بِلاَ دَلِيلٍ» (٢).

فأنت ترى أن الذين تكلموا في الصحابة إنما هم أصحاب الفرق المعروفة بميولها السياسية لبعض الصحابة دُونَ بعض، لا من النُقَّادِ الذين وصفهم المؤلف بقوله: «جماعة من العلماء الصادقين، نهضوا لتنقية الحديث مِمَّا أَلَمَّ به، وتمييز جَيِّدِهِ مِنْ رَدِيئِهِ» وزعم المؤلف ثَالِثاًً: أن هذا التعديل كان من أكثر نُقَّادِ الحديث وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يُؤْثَرْ عن أحد من المُتَقَدِّمِينَ من أهل العلم من التَّابِعِينَ، فمن بعدهم أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، والغريب أن المؤلف استشهد بعبارة الغزالي في هذا المقام، وعبارته صريحة في أن السلف مُجْمِعُونَ على تعديل


(١) رسالته " في الرُوَاة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ": ص ٤.
(٢) " اختصار علوم الحديث ": ص ٢٢٠ - ٢٢٢.

<<  <   >  >>