للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من قال: إن هذا عام في كل عجوة، لأن السموم إنما تقبل لإفراط برودتها، فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة، وأعانتها الحرارة الغريزية، فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم.

والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة: قال ابن القيم في " زاد المعاد ": «[وَهُوَ غِذَاءٌ] فَاضِلٌ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ، لاَ سِيَّمَا لِمَنِ اعْتَادَ الْغِذَاءَ بِهِ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الأَغْذِيَةِ فِي الْبِلاَدِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارَّةِ الَّتِي حَرَارَتُهَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ ... » إلى أن قال: «وَتَمْرُ الْعَالِيَةِ مِنْ أَجْوَدِ أَصْنَافِ تَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ [مَتِينُ] الْجِسْمِ، لَذِيذُ الطَّعْمِ، صَادِقُ الْحَلاَوَةِ، وَالتَّمْرُ يَدْخُلُ فِي الأَغْذِيَةِ وَالأَدْوِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ أَكْثَرَ الأَبْدَانِ، مُقَوٍّ [لِلْحَارِّ] الْغَرِيزِيِّ، وَلاَ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الْفَضَلاَتِ الرَّدِيئَةِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَغْذِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، بَلْ يَمْنَعُ لِمَنِ اعْتَادَهُ مِنْ تَعَفُّنِ الأَخْلاَطِ وَفَسَادِهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلأَمْكِنَةِ اخْتِصَاصًا بِنَفْعِ كَثِيرٍ مِنَ الأَدْوِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الدَّوَاءُ الَّذِي قَدْ يَنْبُتُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَافِعًا مِنَ الدَّاءِ، وَلاَ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ النَّفْعُ إِذَا نَبَتَ فِي مَكَانٍ غَيْرِهِ لِتَأْثِيرِ نَفْسِ التُّرْبَةِ أَوِ الْهَوَاءِ، أَوْ هُمَا جَمِيعًا، فَإِنَّ لِلأَرْضِ خَوَاصًّا وَطَبَائِعَ يُقَارِبُ اخْتِلاَفُهَا اخْتِلاَفَ طَبَائِعِ الإِنْسَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّبَاتِ يَكُونُ فِي بَعْضِ البِلاَدِ غِذَاءً مَأْكُولاً، وَفِي بَعْضِهَا سُمًّا قَاتِلاً». وذكر في موضع آخر: «يَقْتُلُ الدُّودَ، فَإِنَّهُ مَعَ حَرَارَتِهِ فِيهِ قُوَّةٌ تِرْيَاقِيَّةٌ، فَإِذَا أُدِيمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّيقِ، خَفَّفَ مَادَّةَ الدُّودِ، وَأَضْعَفَهُ وَقَلَّلَهُ، [أَوْ] قَتَلَهُ، وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ، [وَدَوَاءٌ] وَشَرَابٌ وَحَلْوَى». ويقول في مكان آخر: «وَنَفَعَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ هَذَا التَّمْرِ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ مِنْ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِعَيْنِهَا مِنَ السَّمِّ وَالسِّحْرِ، بِحَيْثُ تَمْنَعُ إِصَابَتُهُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي لَوْ قَالَهَا أَبُقْرَاط وَجَالِينُوسْ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَطِبَّاءِ، لَتَلَقَّاهَا عَنْهُمُ الأَطِبَّاءُ بِالْقَبُولِ وَالإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ، مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ إِنَّمَا مَعَهُ الْحَدْسُ وَالتَّخْمِينُ وَالظَّنُّ، فَمَنْ كَلاَمُهُ كُلُّهُ يَقِينٌ وَقَطْعٌ


كان عليه قبل سفري إلى الحج (انظر مقالي في ذلك في مجلة «حضارة الإسلام» في العدد الثالث من السَنَةِ الخامسة).

<<  <   >  >>