للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان من الطبيعي أن يثير تدفق أبي هريرة في الحديث عن رسول الله هذا التدفق العجيب - مع ما عُلِمَ من تأخر إسلامه - الغرابة في نفوس بعض التَّابِعِينَ أو من كان بعيداً عن محيط المدينة من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يقولوا: ما بال أبي هريرة يكثر الحديث، وأصحاب رسول الله لا يكثرون مثله؟ سؤال يَرِدُ على أذهانهم فيوجهونه إلى أبي هريرة، لا شَكًّا ولا تكذيبًا ولكن رغبة ً في إزالة هذا العجب من نفوسهم، فيكشف لهم أبو هريرة عن السبب، وهم ما حَدَّثْنَاكَ به، فإذا هم ساكتون راضون مطمئنون، فأين تجد الإكثار من نقدهم له، كما زعم صاحب " فجر الإسلام " ثم أين الشك في صدقه وحفظه؟؟ إِنَّ كل ما في الحديث سؤال يدل على الاستغراب من كثرة حديثه، ومتى كان الاستغراب تكذيباً؟ قد يحدثك صديقك الذي لا تشك في صدقه، بحديث فيه شيء من الغرابة، فتظهر له العجب والدهشة لا مُكَذِّباً ولا مُستنكراً، بل طالباً منه أن يزيل عجبك ويكشف لك عن سر حديثه، وهذا ما حدث مع أبي هريرة بدليل أنهم تلقوا منه بالرضى والقبول تلك المقالة التي بيَّنَ فيها سِرَّ إكثاره من الحديث دُونَ سائر صحابة رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، أفرأيت لو أنهم كانوا مُكذِّبِينَ له، أو شَاكِّينَ في صدقه أو حفظه، أكان يكفي لحملهم على تصديقه أن يقول لهم: إني سمعت ما لم تسمعوا وحفظت وَنَسِيتُمْ؟ .. ثم أرأيت لو أنهم كانوا يشكون في حديثه، أكانوا يسمحون له بالاستمرار في التحديث عن هادي الأُمَّةِ ومُشَرِّعِهَا الأعظم؟ أم كان يكف عنه أمير المؤمنين عمر وهو من هو في شدة بأسه وصلابته في الحق؟ أم كانت تسكت عنه عائشة وهي التي أخرجها الانتصار للحق - في رأيها - من بيتها لقتال عَلِيٍّ؟ .. أم كان يسكت عنه كبار الصحابة وجمهورهم وقد كانت وفاته في عهد غير متأخر لا يزال فيه كثير من الصحابة على قيد الحياة؟. وهم الذين بلغ من حرصهم على الشريعة أن كانوا يَرُدُّونَ على من أخطأ في الحديث ولو كان عمر أمير المؤمنين، أو عائشة زوج الرسول، فكيف يسكتون على من يزيد في الحديث ويكذب؟.

<<  <   >  >>