للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علينا " دائرة المعارف الإسلامية " لتخبرنا أن هذا هو ما انتهى إليه جولدتسيهر في بحثه عن أبي هريرة حيث يقول: «إن كثيراً من الأحاديث التي نسبها الرُواة إليه قد نُحِلَتْ عليه في عصر متأخر» يريد بذلك التشكيك في مروياته كلها، كما صرح قبل ذلك بقوله: «كل هذه الظروف تجعلنا نقف من أحاديث أبي هريرة موقف الحذر والشك» (١). وما دام جولدتسيهر أنهى بحثه عن أبي هريرة بهذه النتيجة، كان لزاماً على أحمد أمين أن ينهي ترجمته لأبي هريرة بتلك الخاتمة، فهل رأيت إلى أي حد يخلص صاحب " فجر الإسلام " في تتبع خطوات أعداء الإسلام؟ ثم أرأيت كيف جعل دأبه الطعن بهذه الشخصية الفَذَّةِ في كل مناسبة؟ فهو إذن تكلم عن رَدِّ بعض الصحابة على بعض، كان أول ما يمثل به رَدَّ عائشة وابن عباس على أبي هريرة، وإذا ترجم له ذكر أنه كان يُحَدِّثُ من ذاكرته. كأنه شيء انفرد به من بين الصحابة جميعاً، وإذا أراد أن يعيب على الأقدمين اقتصارهم على نقد السند دُونَ المتن مِمَّا جعلهم يحكمون بصحة أحاديث يخالفها الواقع على زعمه، لم يجد في التمثيل لذلك إلا حديث أبي هريرة، وإذا حاول أن يثبت أن نقد الرُواة في البواعث النفسية التي تحملهم على الوضع، قد

حصل منه شيء في الصدر الأول، لم يجد لذلك مثلاً إلا أبا هريرة وحديث أبي هريرة، وهكذا يحمل مؤلف " فجر الإسلام " حملات منكرة بأسلوب لطيف. على هذا الصحابي العظيم من غير تثبت ولا تحقيق أو متعمداً لذلك ليحقق فكرة خبيثة في ذهن مستشرق ومغلوب على هواه لِيُشَوِّهَ بها سيرة عظمائنا الذين نقلوا إلينا هذا الشرع وحفظوه، ولكنا نقول للأستاذ أحمد أمين ولمن سبقه من المُسْتَشْرِقِينَ ولمن يلحق بهم من المعاندين، إن صحابياً يظل يُحَدِّثُ الناس سبعاً وأربعين سَنَةً بعد وفاة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مسمع من كبار الصحابة وأقرب الناس إليه، من زوجته وأصحابه ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاما، يرجع إليه في معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب، وَيَتَزَوَّجُ منه سيد علماء التَّابِعِينَ الإمام


(١) " دائرة المعارف الإسلامية ": ١/ ٤١٨.

<<  <   >  >>