للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفترضون الوقائع بقولهم: (أَرَأَيْتَ لَوْ حَصَلَ كَذَا؟ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا؟) فقد سأل مالكاً - رَحِمَهُ اللهُ - بعض تلاميذه يوماً عن حكم مسألة فأجابه، فقال تلميذه: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا»؟ فغضب مالك وقال: «هَلْ أَنْتَ مِنَ الأَرَأَيْتِيِّينَ، هَلْ أَنْتَ قَادِمٌ مِنَ العِرَاقِ؟».

أخرج ابن عبد البر عن مالك قال: «أَدْرَكْتُ أَهْلَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَإِنَّهُمْ لَيَكْرَهُونَ هَذَا الإِكْثَارَ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ»، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: «يُرِيدُ الْمَسَائِلَ».

وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ».

وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابٍ: «أَكَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِفَرَجٍ» (١).

وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ فِي العِرَاقِ: «وَاللَّهِ لَقَدْ بَغَّضَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَيَّ الْمَسْجِدَ حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» قُلْتُ: " مَنْ هُمْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ " قَالَ: «الأَرَأَيْتُونَ» (*) (كَذَا بِالأَصْلِ وَلَعَلَّ صَوَابَهَا الأَرَأَيْتِيُّونَ)، قَالَ: «وَمِنْهُمُ الْحَكَمُ (**) وَحَمَّادٌ وَأَصْحَابُهُمْ». اهـ. وحماد شيخ أبي حنيفة.

وأخرج عن الشعبي أيضاًً قوله: «مَا [كَلِمَةٌ] أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: " أَرَأَيْتَ "» (٢). وبهذا التوسع الذي سار عليه أبو حنيفة في التفريع والاستنباط حتى بلغت المسائل التي عرفت في فقهه حداً كبيراً جِدًّا أوصلها صاحب " العناية في شرح الهداية " إلى ألف ألف ومائتي ألف وسبعين ألفاً ونيفاً (٣)، وهو عدد ضخم، ولو قيل: إنه على سبيل المبالغة فالقدر الثابت على أقل تقدير هو


(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٤٣.
(٢) المصدر السابق: ٢/ ١٤٦.
(٣) " النكت الطريفة " للكوثري: ص ٥.

<<  <   >  >>