للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبار وأحاديث، فليس غريباً بعد ذلك أن تتواتر شهاداتهم له بالفقه واعترافاتهم باستقامته على المَحَجَّةِ التى سار عليها أهل العلم من قبله.

ومن ذلك ما أخرجه القاضي عياض في " المدارك " من أن أبا حنيفة ومالكاً اجتمعا ذات يوم في المدينة، ثم خرج مالك وهو يتصبب عرقاً، فقال له الليث بن سعد: «أَرَاكَ تَعْرَقُ؟» قال مالك: «عَرَقْتُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِنَّهُ لَفَقِيهٌ يَا مِصْرِيُّ». وقد صح عن مالك أنه كان يطالع كتب أبي حنيفة - أي كتب أصحابه عنه - حتى جمع عنده من مسائله نحو ستين ألف مسألة، كما نقل ذلك عنه ابن أبي العوام السعدي، وأبو عبد الله بن علي الصيمري، وَالمُوَّفَّقْ الخَوَارِزْمِيُّ وغيرهم (١).

وقد اعترف أصحاب مالك وكبار المؤلفين في مذهبه بثناء مالك على أبي حنيفة وأجابوا عما نقل عنه من ذَمِّهِ وقدحه أجوبة مختلفة، فالإمام أبو جعفر الداودي صلحب " النامي على الموطأ " يعتذر بأن مالكاً قال ذلك في حالة غضب، وقد يقول العالم حين يضيق صدره ما يستغفر اللهَ منه بعد ذلك.

أما الحافظ ابن عبد البر، فيرى بأن روايات الطعن واردة عن طريق أصحاب الحديث من تلاميذ مالك، أما أصحاب الفقه منهم فلا يثبتون منها شيئاً.

على أنه قد نفى أبو الوليد الباجي في " شرحه على الموطأ " نسبة هذه الأقوال إلى الإمام مالك وقال: «لما يتكلم مالك في الفقهاء أصلاً وإنما تكلم في بعض الرُواة من جهة الضبط» واستدل لذلك بما بلغ من إجلال مالك لعبد الله بن المبارك، وقد كان من أخص أصحاب أبي حنيفة (*).

أما الإمام الشافعي، فلا نشك في كذب ما نُقِلَ عنه في ذَمِّ أبي حنيفة، لأنه لم يدركه، وقد أدرك أصحابه وخاصة محمد بن الحسن، واطلع على فقهه منه واعترف بأنه غادر بغداد، وقد حمل من علمه وَقْرَ


(١) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص ٣.

<<  <   >  >>