للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط وَاللُّقْيَا، ولم يكن اكتفى بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له، وبهذا كان أول كتاب في السُنَّةِ على هذه الشروط الدقيقة، تَجَرَّدَ من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط، وقد بَوَّبَهُ البخاري على أبواب العلم والفقه، إلا أنه دقيق النظر جِدًّا بعيد الغور في الاستنباط، فجاءت تراجم أبوابه وموافقة الأحاديث للترجمة غامضة في بعض الأحيان، فقد تطلب حَدِيثًا في باب فلا تجده، بل تجده في باب آخر لا يخطر في بالك، وقد ذكر فيه عرضاً المَوْقُوفَ وَالمُعَلَّقَ وفتاوى الصحابة والتَّابِعِينَ وآراء العلماء، كما جرى على تقطيع الحديث إلى أقسام يذكر في كل باب القسم الذي يناسبه، تبلغ أحاديثه على ما ذكر ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " (٧٣٩٧) بِالمُكَرَّرِ سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات وبغير المُكَرَّرِ من المتون الموصولة (٢٦٠٢)، ولما أتم تأليفه وتمحيصه عرضه على أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم من أئمة الحديث فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، وقال العقيلي: «القَوْلُ فِيهَا قَوْلُ البُخَارِيِّ». ولما أخرجه للناس وأخذ يُحَدِّثُ به، طار في الآفاق أمره، فهرع إليه الناس من كل فَجٍّ يَتَلَقَّوْنَهُ عنه حتى بلغ من أخذه نحو من مائة ألف، وانتشرت نُسَخُهُ في الأمصار، وعكف عليه الناس حِفْظاً ودراسةً وشرحاً وتلخيصاً، وكان فرح أهل العلم به عظيماً. قال الذهبي: «وَأَمَّا " جَامِعُ البُخَارِيِّ الصَّحِيحُ "، فَأَجَلُّ كُتُبِ الإِسْلاَمِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. فَلَوْ رَحَلَ الشَّخْصُ لِسَمَاعِهِ مِنْ أَلْفِ فَرْسَخٍ لَمَا ضَاعَتْ رِحْلَتُهُ».

وقد انتقده الحفاظ في عشرة أحاديث ومائة، منها ما وافقه " مسلم " على تخريجه وهو (٣٢) حَدِيثًا، ومنها ما انفرد بتخريجه وهو (٧٨) حَدِيثًا، قال عنها الحافظ ابن حجر في "المقدمة ": «وَلَيْسَتْ عِلَلُهَا كُلُّهَا قَادِحَةٌ، بَلْ أَكْثَرُهَا الجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ، وَالقَدَحُ فِيهِ مُنْدَفِعٌ، وَبَعْضُهَا الجَوَابُ عَنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاليَسِيرُ مِنْهُ فِي الجَوَابِ عَنْهُ تَعَسُّفٌ» ومن راجع هذه الأحاديث التي انتقدت وطالع النقد الذي وُجِّهَ إليها، وجد أن هذا النقد لا يمس جوهر الصحيح،

<<  <   >  >>