الذين يخشون على علمهم المُزَوَّرِ من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعتهم العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس أن يكشفهم نور العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحُجَّةِ البالغة، فهذا لا يهمنا، إذ ليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا».
وسيمر بك في تَعَقُّبِنَا إياه على ما كتبه عن الصحابي الجليل أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أنه وصفه بألفاظ نابية بذيئة يترفع عنها السوقة، ولم يقل في حقه مثلها المُسْتَشْرِقُونَ من اليهود والنصارى!!
ولا أدري إن كان من قواعد التحقيق العلمي التي لم ينسج أحد من قبل على منوالها أن يكون مُدَّعِي العلم قليل الأدب بذيء الكلام، شنيع التهجم على من يتصدى لتاريخهم أو على من قد يتصدون للرد عليه في المستقبل؟ ولكن الذي أدريه أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«الحَيَاءُ مِنْ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنْ الجَفَاءِ وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» ولا أدري إن كان «أَبُو رَيَّةَ» يطعن في هذا الحديث لأنه مِمَّا رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فإليه حَدِيثًا آخر يرويه زيد بن طلحة بن ركانة عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ» وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أما بعد، فهذا تعليق إجمالي على كتاب «أَبِي رَيَّةَ»، وكنت أَوَدُّ لو أتمكن من التعليق التفصيلي على هذا الكتاب، ولكن حالتي الصحية التي اشتدت - خاصة - عند كتابة هذه المقدمة، جعلتني أعدل عن ذلك، اكتفاءًا بما ذكرته من الحقائق الثابتة عند أهل العلم، في تاريخ السُنَّةِ وتدوينها وهي رَدٌّ واضح على ما جاء في كتاب أَبِي رَيَّةَ من الأباطيل، واكتفاء بما صدر من رد بعض العلماء الأفاضل على هذا الكتاب (١).
(١) صدر في الرد عليه كتابان أحدهما " ظُلُمُاتُ أَبِي رَيَّةَ أَمَامَ أَضْوَاء عَلَى السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ " لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وهو كتاب قَيِّمٌ وإنْ كُنْتُ أتمنى أن لو أنه خَلاَ من الألفاظ القاسية، و (الثاني) - " الأَنْوَارُ الكَاشِفَةُ لِمَا فِي كِتَابِ أَضْوَاء عَلَى السُنَّةِ، مِنَ الزَّلَلِ وَالتَضْلِيلِ وَالمُجَازَفَةِ " للعالم المُحَقِّقِ الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المُعَلَّمِي اليماني. وقد اطلعت عليهما منذ شهور تقريباً فجزاهما خيراً.