للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَىَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي مُوسَى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " (١).

هذا ما يتعلق بعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

أما موقف أبي بكر فلم يرو عنه أنه طلب راوياً آخر إلا في تلك الحادثة (٢) وهذا لا يُبَرِّرُ القول بأن مذهبه أن لا يقبل خبراً إلا إذا رواه اثنان. ولقد عُرِضَتْ على أبي بكر حوادث كثيرة رجع فيها إلى سُنّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس فيها أنه طلب مِمَّنْ أخبره عن رسول الله راوياً آخر يشهد له إلا هذه الحادثة، بل ذكر الرازي في " المحصول " أن أبا بكر قضى بقضية بين اثنين فأخبره بلال أنه - عَلَيْهِ السَلاَمُ - قضى فيها بخلاف قضائه فرجع (٣) فإن صحت هذه الرواية كان ذلك مؤكداً لما ذهبنا إليه، وقد ذكر ابن القيم عن أبي بكر خطته في القضاء فقال: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَظَرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ، فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ سَأَلَ النَّاسَ: هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا قَامَ إلَيْهِ الْقَوْمُ فَيَقُولُونَ: قَضَى فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُنَّةً سَنّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ رُؤَسَاءَ النَّاسِ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ قَضَى بِهِ» (٤).

والحاصل أنا لا نجد في نص من النصوص أن أبا بكر طلب مِمَّنْ حدَّثه بحديث عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوياً آخر إلا نص الجدة، وهذا يحتمل أن يكون من أبي بكر زيادة في الاحتياط والتثبت فقط، خصوصاً وأن توريث الجدة إثبات حكم لم يرد في القرآن فكان تشريعاً لا بد فيه من الاحتياط


(١) " الرسالة " للشافعي ص ٤٣٤ ويرى ابن حزم أن عمر كان يرى ذلك أول الأمر فلما عاتبه أُبَيْ رجع عن ذلك وأصبح يقبل خبر صحابي واحد. انظر " الإحكام ": ٢/ ١٤٠.
(٢) وقد أعلَّهَا ابن حزم في " الإحكام ": ٢/ ١٤١ بأنها منقطعة فلا تصح.
(٣) " المحصول " للرازي (مخطوط).
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[انظر " المحصول " للرازي. دراسة وتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني، ٤/ ٣٦٩، الطبعة الثالثة: ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م، نشر مؤسسة الرسالة].
(٤) " إعلام الموقعين ": ١/ ٥١.

<<  <   >  >>