للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهيئة «١».

وهو يركّز على تجسيم الخوف والجوع باللباس، ولا يهتم بالمذاقة كما صنع الزمخشري قبله، ففي الآية كلمتان مضيئتان «أذاقها» و «لباس»، ومما يصوّر بحسية عظمى، أن يتذوق المرء هذا اللباس الذي يجسم الخوف والجوع، والحاجة إلى اللباس قائمة ما دام الإنسان إنسانا، فالآية تريد عمق الإحساس بالخوف والجوع في أقوى مظاهر هما وإلى درجة التذوق.

وهو يعزو طاقة هذه الكلمة إلى «التخييل، وهذا طبيعي، لأنه من رجال القرن الثامن الهجري حيث عرفت المصطلحات وتفرّعت.

ويبدو أن القدامى تحرّجوا من استخدام مصطلح «التجسيم» لصلته بالفرقة المجسّمة لذات الله تعالى، فقد كانت العلة تقديس البيان القرآني وإبعاد ما يتصل بخطل الزنادقة من معان، ونظن أنه ذكر «التخييل» لعدم وجود علاقة فيزيائية في الواقع بين طرفي الصورة التي هي أقرب إلى إعمال الخيال.

لقد اكتفينا بهذه النماذج من الدارسين القدامى، فقد استطاعوا أن يقدموا جمالية إسهام المفردة من خلال حديثهم عن حسية الاستعارة والتشبيه، ولم تقف التقسيمات البلاغية حاجزا بينهم وبين التأمل الرفيع، وإن ظل ما قدّموه بحاجة إلى لمسات المحدثين الذين تغلغلوا في الأثر النفسي، وقصدوا المعاني الثانية المستوحاة من الحسية متأثرين بالثقافة العصرية. إذ كان همّ الدارس القديم توضيح المصطلح البلاغي وتبيين جزئياته وأطرافه وتقريب الصورة من العقل أحيانا، ثم جاء المحدثون، وبسطوا الحالة النفسية للمتلقي إزاء التصوير، وهذا لا يعني أن الجانب النفسي مهمل في دراسة البلاغي القديم، بل كان هذا الأثر هو المقصود في توضيح وجلاء المصطلح.

لذلك لا يمكن أن نبخس القدامى حقّهم، ونرى من المستبعد في هذا المجال قول أحد المعاصرين: «إن إهمال مادية التعبير في الموروث النقدي والبلاغي حال دون تطورات المعنى على حقيقتها، كما حال دون رؤية التميزات الدقيقة التي تصور حياة الاستعارة، وتوضح نشاطها البلاغي ... لم


(١) انظر القزويني، ١٩٥٣، الإيضاح، دار محمد علي صبيح، القاهرة، ص/ ٢٢٦.

<<  <   >  >>