ما من إنتاج فكري إلّا احتاج إلى الكلمة مسموعة أو مكتوبة، حتى إنهم يعدّون التفكير كلاما صامتا، والكلمة تميّز وعي البشر، وسموّهم على مخلوقات الله، لأنها نتاج فكر.
والأدب هو الحقل الفكري الذي تغرس فيه الكلمات طمعا في ثمرة التأثير الوجداني، وهو يتخذ من الكلمة الوسيلة الجمالية، لأن غايته لا تقتصر على الإفهام والتعبير المباشر، بل تتعدّى هذا إلى مستوى فاعلية في المتلقي، إذ يوجد تعامل خاص مع الكلمات يختلف عن المجالات الأخرى.
وفي دراستنا للقرآن في هذا البحث ننطلق من كونه نصا أدبيا انكبّ على تأمل جماله اللغوي مجموعة من الدارسين مخلصين له النية، وكانت لهم نظرات شتى، وسبل مختلفة، فالقرآن كتاب هداية، ولكنّ الجانب الديني ليس المعنيّ هنا إلا في قدرة اللغة على توصيله في أرقى صور التعبير.
وقد أشرنا سابقا إلى تعريف المفردة في المعجم، وهاهنا نقدم نبذة يسيرة حول مفهومها في النقد الحديث، وهو تنظير تؤيده استشهادات دارسي الإعجاز، فتكون هذه الآراء عونا لنا في مناقشتهم للبيان القرآني، وليست غايتنا إلحاق الكلم الربانية بقوانين بشرية مختلفة المناهج، بل هي مفاتيح نلجأ إليها، لتفسر لنا البيان القرآني، فلا ضير في أن نسوق بعض الآراء التي سنجد لها تطبيقا في جهود الدارسين قديما وحديثا، وجلّ هذا الكتاب أن يحصر في قوالب نقد قد تولّد نتيجة معايشة عميقة لنتاج الفن الأدبي البشري.
[- تجاوز المرحلة المعجمية:]
من المسلّم به أن المفردة الأدبية كائن جديد متميز من المفردة المعجمية، فهي في الأدب تلبس لبوسا فريدا مع شحنة روحية، مما يجعلها تتجاوز كونها أصوات مادة معجمية، وهي ترسم وتشخّص وتجسّم حالة شعورية، فتتسع دلالتها الإشارية الضيقة، وتحمل دلالة أخرى في حالة الاتساع.