للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن اشتقاق فعل احتنك: «هو أن يكون الاحتناك هاهنا افتعالا من الحنك، أي لأقودنّهم إلى المعاصي، كما تقاد الدابّة بحنكها غير ممتنعة على قائدها» «١».

ولا شك أن الإيجاز الذي تأتّى هنا من الصيغة يناسب نبرة الغضب والتمرد التي تتطلب قلّة العبارات، فالغاضب لا يفصّل كلامه تفصيلا، بل يلقيه قذائف، والكلمة توحي بالمستوى البهيمي لمن يتبع الشيطان وأتباعه، والشريف الرضي مقلّ في هذه التأملات.

أما الزمخشري فغالبا ما يربط جمال الصيغة بأهمية التهذيب في الأسلوب القرآني، وهو لا يردد ما سبق من تلميحات، كما أنّه يضيف إلى معرفته النحوية واللغوية شيئا من التذوّق الرفيع، ليفسّر الجمال اللغوي وأثره النفسي.

[- الاختزان في التهذيب:]

لا شك أنّ الكلمات التي وردت لغاية التهذيب مالت بغالبيّتها إلى الاختزان، فالقرآن الكريم يذكر مفردات تغني عن التفصيل الذي ربما يجنح إلى تجريح المخاطب، أو إلى ذكر ما هو فاحش رذيل، ومثل هذا ورد في الكنايات.

ولنتأمل قوله عز وجل عن مباهج الجنة التي يرغّب بها المؤمنين: وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ «٢»، فهذه الكلمات تختصر معالم كثيرة ورغائب وفيرة من نساء وطعام وشراب وخضرة، وصيغة التعميم تدلّ على إفساح المجال للخيال، وتصوّر ما قد يخطر على النفس وما ترتاح إليه العين.

وقد قال ابن أبي الإصبع في هذه الكلمات: «فألمح إلى كلّ ما تميل النفوس إليه من الشهوات، وتلذّه الأعين من المرئيات، لتعلم أن هذا اللفظ القليل جدا عبّر عن معان كثيرة لا تنحصر عدّا» «٣».

إذن فقد حصرت هذه الكلمات كل جمال لا يتوقع في عالمنا الدنيوي،


(١) الشّريف الرّضيّ، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص/ ٢٠٢.
(٢) سورة الزّخرف، الآية: ٧١.
(٣) ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، ص/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>