من الطبيعي أن تكون كل مفردات القرآن تحت عنوان مناسبة المقام، ذلك لأن نظمه المعجز يتضمن كلمات لا تكون نافرة متقلقلة في مكانها، ولا تكون حشوا يستغنى عنه، والموضوع القرآني كذلك خصّص له حجم معيّن، فلا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يكون الإيجاز قائما مكان الإطناب، ولا الإطناب مكان الإيجاز، لأنّ الفكرة هي التي تحدّد أسلوبها.
وهذه الفقرة تعيّن مناسبة المقام في اختيار مفردة من المفردات، أو تخصيص دلالتها اللغوية، لتحقق إيحاء نفسيا، أو توسع ظلال الدلالة اللغوية، والمفردة قد تكون عادية، فإذا قرئت في القرآن، وجدنا لها طعما آخر، وتأثيرا فريدا لا نعرفه في حدودها الطبيعية المتعارف عليها.
سوف نسرد هنا نماذج مما ورد في كتب الإعجاز والتفسير متّخذين المنهج التاريخي عونا لنا في الترتيب، وقاصدين تباين الأذواق، وأثر العصر في كشف هذه السّمة، ونتجنّب ما هو متكرر حذر الإطالة، كما نتجنّب الأقوال العامة في ملاءمة المفردة للموضوع، لنفرغ لتحليلهم الفني الذي يعدّ زادا وفيرا، وعطاء زاخرا، كما أننا نتجاوز ما ورد عند الجرجاني حول تمكن المفردة في سياق الآية، لأنه لا يوليها الاهتمام فهو ينظر إلى النصّ كلّه بعد دخول المفردة، وينظر إلى العلاقة النحوية بشكل كلي.
[- معيار اللغة والذوق الفني:]
لقد مر بنا سابقا كيف ألمح الجاحظ في «البيان والتبيين» إلى دقّة النّظم القرآني ومراعاة الفروق الدقيقة التي تدلّ على مقدرة لغوية فائقة، فقد فرّق الأداء القرآني بين الجوع والسّغب، وبين المطر والغيث.
أما الخطّابي فنراه يفنّد حجج الملاحدة والفسّاق الذين ادّعوا إسفاف كلمات القرآن وتناقضه، وبعد الكلمة المختارة فيه عن القانون اللغوي المعهود.