لقد تنبّه الدارسون القدامى إلى جمالية التهذيب في أسلوب القرآن، وبذلوا الجهد في التماس رفعة البيان القرآني فيها، وقد عقدوا لها فصولا بأسماء مختلفة في مصنفاتهم، فكان طابع التهذيب الذي هو موضوع هذا البحث يقع تحت عناوين كثيرة مثل «الإشارة» أو «التعريض» أو «التلويح» أو الكناية أو غير هذا.
بيد أن الذي يجمع هذه المصطلحات في سلك واحد هو التلويح عن المعنى في مقام لا يناسب فيه التصريح، وذلك لأسباب واردة في السياق، وإن كان التصريح مطلوبا في مواضع أخرى بحيث لا يغني عنه تلويح.
وتعود أهمية هذه الدراسة إلى تبيين وجه من وجوه الإعجاز البياني، فلا شكّ أنّ طابع التهذيب يدل على تمكّن من الفروق اللغوية، بحيث تختار كلمة مناسبة، تومئ بظلالها إلى المعنى، وهذا يدلّ على النّهوض بالنفس البشرية، وإبعادها عن الابتذال، لأنّ الحياة السوية مطلب القرآن الكريم.
وتنقسم فكرة هذا البحث إلى وسائل التهذيب مما يخصّ المرأة، أو العلاقة بين الرجل والمرأة، وإلى أمور عامة حياتية جنح فيها البيان القرآني إلى الرمز والإيجاز بغية المحافظة على سموّ الخطاب.
وسوف نمرّ بنماذج من لمحات الدارسين: قدامى ومحدثين، ولن نشغل بدقائق وتفصيلات حول التسمية قاصدين لباب الفكرة، وتوضيح هذه الجمالية من خلال جهود الدارسين.
[- في أمور النساء:]
كثيرة هي الإيماءات التهذيبية الخاصة بالمعنى الجنسي، أو العلاقة الحسية بين الرجل والمرأة، ونبدأ الفقرة بكشّاف الزمخشري تاركين من سبقه، لأنه كان أكثر تعمّقا من سابقيه.