ولعلّ الرمانيّ لحظ أن اللغة المستعملة تكاد تخلو من الثّقيل، وما يحمد له أنّه فتح بابا لجمال المفردة الصوتي من حيث بيانه لتلاؤم المخارج في مفردات القرآن، ولعله تأثّر بدراسة الخليل الصوتية في معجمه «العين»، ليصل بنا إلى أن جمال النّطق يكمن في سهولته، وهذا ما يشهد به علم الجمال في عصرنا، إذ يردّ قيمة الجمال الصوتي في الكلمة إلى رشاقة الحركات، والاقتصاد في الجهد العضلي عند النّطق «١».
ومما يضاف أنّه لم ينس علاقة النّفس بالشيء المسموع، فالأذن منفذ إلى النّفس، وما يثقل سمعه تنفر منه الأذن ثم النفس.
ويبدو أن الوحشي كان ثقيلا على الأذن، فرفضه الذوق اللغوي، ثم صار هذا الذوق قانونا ينفّر من الغريب، لعدم استعماله في المجتمع، ولاتّصافه بالثقل مثل كلمة جلفاط بمعنى لوح، وبعاق: أي بمعنى مزنة وهنا لا بد من شرطين:
١ - تلاؤم المخارج من حيث تلاؤم صفات هذه الحروف الناتجة عن المخارج.
٢ - سلامة المفردة من الثّقل من خلال تشكيلها الداخلي، إضافة إلى طبيعة حروفها. وكل هذا نحتكم فيه إلى معيار حسّي هو السّمع، وسيتضح في عرضنا لنظرات الدارسين.
[نظرة ابن سنان:]
وضع ابن سنان الخفاجي أسسا فنية لفصاحة المفردة، وبالغ في تعميمها، وذلك في بداية كتابه، فكان الأساس الأول تباعد المخارج، ويبدو أثر الفلسفة الفنية جليا في عبارته، يقول: «الأول أن يكون تأليف اللفظة من حروف متباعدة المخارج، وعلّة هذا واضحة، وهي أن الحروف التي هي أصوات تجري في السّمع مجرى الألوان من البصر، ولا شكّ أن الألوان المتباينة إذا جمعت كانت
(١) انظر سلام، د. محمد زغلول، أثر القرآن في تطور النقد العربي، ص/ ٢٤٠.