للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[- منهج المحدثين:]

وأول من تعرّض من المحدثين لهذا في القرآن هو قطب، ولم يفد من منهج ابن جني الذي اعتمد معطيات فقه اللغة في معرفة طبيعة الأصوات، فهو يقف عند الآية: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ «١»، ويقول: «على أنّ لفظة «الزقّوم» نفسه يصوّر بجرسه ملمسا خشنا شائكا مدبّبا يشوك الأنف بله الحلوق» «٢».

فقد غلّف حكمه بالذوق الشّخصي، ولم يحتكم إلى منهج موضوعي، ولو أنه احتذى حذو ابن جني، لتجنّب هذا التلميح الخفيّ، ولقال بقوة القاف الحرف المجهور الشديد، خصوصا إذا كان مدغما، وهناك الوقوف على الميم الذي «تنطبق الشفتان انطباقا تاما عند النطق به، فيحبس الهواء حبسا تاما في الفم» «٣»، وهذا الحبس يلائم اختناق آكل هذا الطعام، وانسداد حلقومه، ويلائم القاف معالجة اللقمة غير السائغة بشدته وتكرره.

ومثل هذا الإيحاء يلمسه قطب في لفظه «يصطرخون»، وذلك في قوله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها «٤»، يقول: «ثم ها نحن أولاء يطرق أسماعنا صوت غليظ محشرج مختلط الأصداء، متناوح من شتّى الأرجاء، إنه صوت المنبوذين، وجرس اللفظ نفسه يلقي في الحسّ هذه المعاني جميعا» «٥».

فهو يكتفي بذكر الأثر النفسي، ولا يذكر الوشائج القائمة بين الصوت والمعنى، وهذا التأمّل الذاتي عادة جارية في كتبه، وقد تطرقنا إلى شيء من هذا لدى حديثنا عن منهجه في الصورة البصرية في مفردات القرآن، وهو على


درس الحديث في بداية حياته ثم أخذ العربية عن الخليل، توفي سنة ١٨٠ هـ، صاحب «الكتاب» المشهور، انظر طبقات النحويين للزّبيدي، ص/ ٦٦.
(١) سورة الواقعة، الآية: ٥٢.
(٢) قطب، سيّد، في ظلال القرآن، مج/ ٦، ص/ ٣٤٦٥.
(٣) بشر، د. كمال، علم اللغة- الأصوات- ص/ ١٦٧.
(٤) سورة فاطر، الآية: ٣٧. يصطرخون: يستغيثون بصراخ قوي.
(٥) قطب، سيد، في ظلال القرآن، مج/ ٤، ج/ ٢٢، ص ٢٥٢٠ وانظر قطب، سيد، مشاهد القيامة، ص/ ١٠١، ومتناوح: متقابل.

<<  <   >  >>