للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ «١».

فالطبيعة في القرآن لا تقف محايدة، بل تتمتع بمدلول خلقي، ففيها دعوة إلى علّة وجودها، وقريب من هذه الفكرة ما جاء عند سانتيانا إذ قال: «لكي نرى المنظر الطبيعي يتحتّم علينا أن نألفه نحن، ولكي نحبذه ينبغي لنا أن نضفي عليه مدلولا خلقيا» «٢».

وليست غايتنا في هذه الفقرة التحدث باستقصاء شامل عن الطبيعة في القرآن، ولا سيما أن مظاهر الطبيعة ستبرز في أماكن كثيرة بشكل تقريريّ، ولا تخدم الصورة الفنية، فلن نتطرّق مثلا إلى الناقة التي عقرها قوم صالح عليه الصلاة والسلام، فذلك واقع تاريخيّ قائم لا يمسّ، ولا يفيدنا في الجانب الفنّي، بل غايتنا أن ننصت إلى تعليقات الدارسين في جمال تشبيه المنافق بالكلب أو العنكبوت، إذن فالقصد معرفة فاعليّة مفردات الطبيعة، ومدى تأثيرها في الصورة الفنية.

[- مفردات الجماد والنبات عند القدامى:]

لا شك أن القرآن اتجه لأغراض فنية إلى استخدام مفردات الجمادات، ليصور معانيه في أقصى طاقتها المؤثّرة، واعتمد ما هو عام شامل لا يقتصر على بيئة محدّدة، وما هو متعارف على دلائله، وما تثبته المشاهدة، فالحجر متعارف على قسوته عند العربيّ وغيره، وعلى مدى العصور، فإذا شبّهت به قلوب الكافرين ظلّت الصورة عالقة في الأذهان ما دام المرء على وجه البسيطة، وكذلك البحر في هوله وضخامته، والرّماد في خفّته وتطايره، وقيمة الجماد أي المشبّه به لا تتسم بالمباشرة والابتذال، ذلك لما يضفي البيان القرآني على هذه الكائنات المنتزعة من الطبيعة من معان سامية، وجمال فني


(١) سورة الملك، الآيتان: ٣ - ٤. وخاسئا: ذليلا. حسير: متعب منقطع عن رؤية الخلل.
(٢) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال تر. د. مصطفى بدوي، مؤسسة الأنجلو المصرية، بلاتا، القاهرة، ص/ ١٥٦.

<<  <   >  >>