للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - الانسجام بين المخارج]

[فكرة الانسجام:]

لا شك في أنّ قضية الانسجام فرع أصيل في خصائص الفن، ويشمل الفنون جميعها، كالرسم والنحت والشعر والموسيقا، ونجده في تفريعات هذه الفنون على اختلاف مذاهبها ومشارب أربابها.

ويلحظ في الانسجام أنه يتولّد من لقاء بين شيئين مختلفين، وهذه المقولة واردة على ألسنة الفلاسفة، والمنظّرين الجماليين منذ القدم، وقد أطلقوا على هذا الانسجام الذي يلائم بين شيئين مختلفين اسم «الوحدة في التنوع» فهو شرط أساسي من شروط الجمال، لذلك نرى الرسم الجميل قد تعاور لوحاته تناوب الألوان الغامقة والألوان الفاتحة، وفي إيقاع الفن السّمعي هنالك العلوّ الذي يتبعه انخفاض يدعى ب «القرار».

ولذلك حبّذ الفلاسفة شكل المستطيل قديما، لأنه خير شكل هندسي معبّر عن الوحدة في التنوع، فهو يتكوّن من طول وعرض مختلفين متكررين، وخير مظهر لهذا الانسجام شكل الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم «١».

وفائدة هذا المعيار الجمالي أنه معمّم، ولا يبعث حكمه الشكّ في النفس، لأنه موضوعي، وهذا ما يدعى في التراث العربي بالتلاؤم، إذ يختص ببينة المفردة فقط، على خلاف من المعاظلة التي تعني تنافر الكلمات بعضها مع بعض، وعلى خلاف أيضا من مصطلح الانسجام الذي يعني مجيء كلمات على أوزان معروفة، يقترب وزنها من أوزان بحور الشعر، وقد استشهدوا على ذلك بقوله عز وجل: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ «٢»، وكذلك قوله تعالى:

نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «٣» وقوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا


(١) انظر غريب، روز، النقد الجمالي: ٧٥.
(٢) سورة يوسف، الآية: ٨٦.
(٣) سورة الحجر، الآية: ٤٩.

<<  <   >  >>