للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغني عن مفردات كثيرة أو عن جملة خبيئة في طيّات هذه الصيغة.

والحق أن الجرجاني أبدى اهتماما كبيرا بأثر الصيغة، إلا أنّ هذا مرتبط عنده تماما بمسألة النظم، وهو لا يخص المفردة بجمال، لأنه مهتم بالسياق الكلي حسب العلاقات النحوية.

إن أول ملاحظة لهذه السمة الفنية نجدها في كتاب «الحيوان» للجاحظ في مكان منه مخصوص لميزات الكلب، فيقف عند الآية: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ «١» إذ يقول: «فاشتقّ لكل صائد وجارح كاسب من باز وصقر وعقاب وفهد وشاهين وزرّق ويؤيؤ وباشق وعناق الأرض من اسم الكلب، وهذا يدلّ على أنه أعمّها نفعا، وأبعدها صيتا وأنبهها ذكرا» «٢».

فقد استغنى المقام باشتقاق «مكلّبين» من الكلب عن تعداد الكثير من سباع البهائم والطيور.

وقرين هذا ما ورد لدى تلميذه ابن قتيبة حول الآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ «٣»، إذ يقول: «أي كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي حافر من الدّوابّ» «٤».

وهو يكتفي بجانب التوضيح اللغوي صنيع الجاحظ في كلمة «مكلّبين»، وقد أسهب في ذكر أشعار وردت فيها كلمة «ذي ظفر» بدلا من أن يقدم شواهد أخرى.

ومن هذه الوجهة اللغوية ينطلق الشريف الرضي عند ما يتأمل بعض الصيغ، فلا يضفي على الجانب اللغوي شيئا من الأثر الوجداني، كما جاء في تأمله للآية الكريمة على لسان إبليس: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «٥»، فهو يقول


(١) سورة المائدة، الآية: ٤.
(٢) الجاحظ، الحيوان: ٢/ ١٨٧.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٤٦.
(٤) ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص/ ١١٦.
(٥) سورة الإسراء، الآية: ٦٢.

<<  <   >  >>