للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما أضافه الزمخشري قائلا: لأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظانّ الانتفاع، وما دام متروكا غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبّهوا به في عدم الانتفاع» «١».

وهذا التعليل يعدّ إضافة جمالية إلى ما ذكره الرماني، ومفتاحا لكل تأمّل فنيّ، وهو طبيعي في «الجمان» لأنه كتاب مختصّ بالصورة الفنية، فلا نجد فيه إعجاز النظم، أو ألوان البديع.

وهذا التعليل يتخذ طابعا عاما، فيعدّ تنظيرا لأهمية الطبيعة الدائمة في الصّورة الفنية، فقد لفت ابن ناقيا اهتمامنا إلى هذا قبل تنظير المحدثين، ففي الآية: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ «٢» يقول: «فلما كانوا يلجئون إلى ورود هذه المياه، ويلقون العناء بشربها، والكلفة في تناولها، وكان القرآن قد نزل بلسانهم، وعلى ما عهد من شأنهم، ذكر الله تعالى لهم من العذاب الذي أعدّه للظالمين ما يكون في بعض أحوالهم مثال له، فيذكرون الكثير باليسير، والغائب بالحاضر ... وكما خوّفوا بشرب هذا الماء، فكذلك شوّقوا إلى أنهار الجنّة، ومائها وسلسبيلها وتسنيمها، ليروا أنّ ذلك أنفس بالقياس إلى ما وصفوه في أشعارهم» «٣».

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الطبيعة لا تقتصر على البيئة العربية، فالماء عنصر هام في حياة البشرية، ونلمس مثل هذا الوعي عند الزمخشري لدى تفسيره للآية: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ «٤» إذ يقول: «شبّه دين الإسلام بالصّيّب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلّق به في شبه الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق، وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام


(١) الزمخشريّ، الكشّاف: ٤/ ١٠٩ وانظر الزركشي، البرهان: ٣/ ٣٢٦.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٢٩.
(٣) ابن ناقيا البغداديّ، عبد الله بن محمد، الجمان، ص/ ١٤٧. السلسبيل: الماء السهل المرور في الحلق لعذوبته، والتسنيم: عين في الجنة.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٩.

<<  <   >  >>