يحدثان في الوقت نفسه نغما موسيقيا يمتدّ مع انطلاق الخيال» «١».
ونحن لا نطالب الباحث بالوقوف على كلّ حركة والتحدث عن جمالها ووقعها في النّفس، ولا نطالب بالتّحتيم الدائم، بيد أن الفنّ لا يكون كشفه بالغموض، فهناك روائز محكمة يمكن أن يكشف الغطاء عنها، وربّما عبّر إصرار الباحث على ربط الصوت بالمعنى عن حدس وتخمين، وهذا يؤدي إلى الإضرار بدراسات القرآن دراسة علمية منهجية، وعليه أن يكتفي بتلاؤم نغم الحروف مع مقاصد الكلمات أما زيادة الإيغال فلا حاجة لها.
ولا بدّ من أن نؤكد أخيرا أن الدارسين القدامى قد لفتوا النظر إلى دقائق موسيقية في نسق القرآن، وإن اكتنف نظرتهم شيء من الغموض والإجمال، ثمّ جاء الرافعي واعتمد شواهد هم القرآنية، واحتكم إلى فن الموسيقا اللغوية، وإن ظلّ كلامه في حاجة إلى توضيح، وهو يهتمّ بجمال الشكل، ولم يربطه بالمضمون، فكان همّه تبيين السلاسة في وقع الكلمة على الأذن.
ونستنتج مما اقتبسناه من دراسات المعاصرين أنّ الإجمال لا يقتصر على القدامى، بل ينطبق على كثير من نظرات المعاصرين الذين اتسمت نظرتهم بالمبالغة إلى جانب الإجمال، لذلك نرجّح الأسلوب الذي جاء عند محمّد المبارك والدكتور عتر.
ولا بدّ من القول إن هذه الجمالية الموسيقية ضئيلة بالنسبة إلى اهتمامات دارسي الإعجاز بأبواب البلاغة الأخرى، كالصورة البصرية والدّلائل النفسية لمضمون أفكار المفردات، ويبدو أن السّبب هو صعوبة توضيح هذه الجمالية وشرحها، مما يحتاج إلى إمكانات خاصة في مجال الفن، وربّما خشي الدارس القديم المبالغة، فاحتاط في تعبيره واكتفى بمصطلحه، كالعذوبة والخفّة والرّقة والفصاحة خشية من مزالق نظرة مغالطة.
وعلى الرغم من هذا نؤكّد أنهم يستطيعون إبراز هذه الجمالية من خلال تفهم معطيات فقه اللغة وعلم التجويد، ولا ننفي أن مصطلحهم القديم كان يشتمل على كلّ جمال صوتي نتحدّث عنه في عصرنا.
(١) عتر، د. نور الدين، القرآن والدراسات الأدبية، ص/ ٣١٥.