للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ «١»، وقال عن الفاصلة: «وفي بناء «الحيوان» زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي لما في بناء «فعلان» من الحركة والاضطراب، والحياة حركة، كما أن السّكون موت، فمجيئه على بناء دالّ على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة» «٢».

ونجده يطبّق القاعدة التي أوردها ابن جنّي، بيد أن ما ذكر هناك يتّصل بالمحسوس، وهذه المفردة تدلّ على نشاط الجانب الرّوحي.

واهتمام ابن جني بالدلالة الصرفية أكبر من اهتمامه بمحاكاة الصوت لظواهر الطبيعة، والسبب سهولة إثبات دلائل التغيرات الصرفية، ووفرة الشواهد التي تثبت هذه المسألة، وإن كانا ذكرا معا في باب «المصاقبة»، يقول: «ومن ذلك جعلوا تكرير العين في المثال دليلا على تكرير الفعل، فقالوا: كسّر وقطّع وفتّح وغلّق، وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني، فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل، والعين أقوى من الفاء واللام، وذلك لأنّها واسطة لهما، ومكنوفة بهما، فصارا كأنّهما سياج لها، ومبذولان للعوارض دونها» «٣».

ولم يبتعد الدارسون كثيرا عن تقنين ابن جني، وإن كان هذا تحت عناوين مختلفة مثل: «الزيادة في البناء»، و «ملاءمة اللفظ والمعنى».

وقد كثرت الشواهد على تضعيف العين مثل غافر وغفّار، وكاذب وكذّاب، وذبح وذبّح، وقتل وقتّل وغيرها.

ولا يعنينا اختلاف الاسم، إنما تعنينا ملاحظة الدارس للمخزون النفسي، والأثر الوجداني فيما تكتنفه الصّيغة، وإن كنا نعني بها التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية، فغايتنا تنحصر في كل جمال يعتمد التركيب الدّاخلي.

وسوف نتجاوز المكرّر من الملاحظات، ونطرح جانبا ما لم يتعدّ التفسير


(١) من سورة العنكبوت، الآية: ٦٤.
(٢) الزمخشري، الكشّاف: ٢/ ١٨٣ وانظر تفسير النسفي، مدارك التنزيل: ٣/ ٢٦٣ وتفسير أبي السعود: إرشاد العقل السليم: ٧/ ٤٧.
(٣) ابن جني، الخصائص: ٢/ ٢٨٥.

<<  <   >  >>