للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزن آخر أعلى منه، فلا بدّ أن يتضمّن من المعنى أكثر مما تضمّنه أوّلا، لأن الألفاظ أدلّة على المعاني، فإن زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعنى ضرورة، ومنه قوله تعالى: فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ «١»، فهو أبلغ من قادر، لدلالته على أنّه قادر متمكّن القدرة، لا يردّ شيء عن اقتضاء قدرته، ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى «٢».

وهذا الأمر يقتضي منهم توضيحا، أي ربط الصيغة بسياق الآية التي وجدت فيها، فالقرآن ذكر كلمة «غفور» أكثر من كلمة «غفّار»، وذكر كلمة «قدير» أكثر من «مقتدر»، فغفار ذكرت خمس مرات، و «غفور» ذكرت إحدى وتسعين مرة، ونحن نعرف أن البيان القرآني يميل إلى قوة التأثير بجميع الوسائل الفنية، فكان من المرجّح أن ترد كلمة «غفّار» و «مقتدر» أكثر من «قدير» و «غفور» لكثرة الحروف، وقد ذكرت «قدير» خمسا وأربعين مرة، وذكرت «مقتدر» ثلاث مرات.

ويبدو أن صيغة «غفور» و «قدير» أدلّ على الصّفة الثابتة للخالق عزّ وجلّ، و «مقتدر» و «غفار» أدلّ على الصّفة الثابتة مضافا إليها جانب الفاعلية والقصد، والصّفة الإلهية- كما هو معروف- ثابتة لا تتغيّر زيادة ونقصانا.

وهنالك شاهدان ذكرهما الزركشي، فقد قال: «وكقوله تعالى:

وَاصْطَبِرْ «٣» فإنه أبلغ من الأمر بالصبر من «اصبر» كقوله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها «٤» «فإنه أبلغ من «يتصارخون» «٥».

والزركشي يشير إلى الحرف الذي زيد في الكلمتين، إنه حرف الطاء أحد حروف الاطباق، وهو حرف شديد، بل يعدّ أقوى الحروف، فإذا قرأنا الآية الكريمة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «٦» وجدنا أن الطّاء يساعد


(١) سورة القمر، الآية: ٤٢.
(٢) الزركشي، البرهان: ٣/ ٨٣.
(٣) سورة طه، الآية: ١٣٢.
(٤) سورة فاطر، الآية: ٣٧.
(٥) الزركشي، البرهان: ٣/ ٣٨.
(٦) سورة طه، الآية: ١٣٢.

<<  <   >  >>