للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا، يقول: «الإيجاز بسلوك الطريق الأقرب دون الأبعد، وإيجاز باعتماد الغرض دون تشعّب، وإظهار الفائدة بما يستحسن دون أن يستقبح، لأن المستقبح ثقيل على النفس، فقد يكون للمعنى طريقان أحدهما أقرب من الآخر، كقولك: تحرّك حركة سريعة في موضع، وأسرع» «١».

إنه يعطينا البعد النفسي للاختزان، وينظر إليه بعين الجمال، بيد أنه لا يقدّم شواهد وفيرة، لأن بحثه رسالة، وهو لا يربط الإيجاز بالمفردات شأنه شأن الباقلّاني الذي يرى في الآية: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى، بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً «٢» جمال حذف جواب الشرط، فهو إذن إيجاز جمل لا مفردات «٣».

وبعد الباقلاني يضع أبو منصور الثعالبي كتابه «الإعجاز والإيجاز» الذي مهّد له بفنّ الإيجاز القرآني، إلا أن هذا يقع في أربع صفحات فقط، وهو يقول: «من أراد أن يعرف جوامع الكلم، ويتنبّه على فضل الإعجاز والاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء، ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن، وليتأمل علوّه على سائر الكلام، فمن ذلك قوله عزّ ذكره: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا «٤» استقاموا كلمة واحدة تفصح عن الطاعات كلّها في الائتمار والانزجار «٥».

إنه يخص المفردة باهتمامه، فهو ينحو منحى الجاحظ، وقد سرد شواهد متلاحقة مما يدلّ على إحاطته وعمق تدبره، وقد حرص على أن الإيجاز في كلمة واحدة، مستخدما كلمة «جمعت» كما كان من الجاحظ.

وهو يحاول تبيين العلّة في جمال الكلمة المختزنة كما جاء في تأمله للآية الكريمة: لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ «٦» إذ يقول: «فالأمن كلمة واحدة تنبئ


(١) الرّمّاني، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٧١.
(٢) سورة الرّعد، الآية: ٣١.
(٣) الباقلّاني، إعجاز القرآن، ص/ ٩٠.
(٤) سورة الأحقاف، الآية: ١٣.
(٥) الثّعالبي، عبد الملك بن محمد، الإعجاز والإيجاز، ص/ ١٠.
(٦) سورة الأنعام، الآية: ٨٢.

<<  <   >  >>