للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملائكة مردفين أي هناك تتابع، ويكون بعضهم قبل بعض، وإذا تميزت الرادفة بالحوادث نفسها. فهناك- على الأقلّ- فارق زمني بين الرّجفتين يميز الثانية من الأولى، لذلك نستشف في الأصل اللغوي أن المعجم يصرّح بكون المرادف لاحقا، وليس هو الشيء نفسه، بيد أننا سوف نسير مع الدارسين على أن الترادف تطابق، وليس حسب الأصل اللغوي تجاوزا.

وفي القرآن الكريم دعوة إلى عدم استخدام لفظة مكان لفظة، مراعاة للمواقف بكل أطرافها، وهو الكتاب الذي يعدّ الكلمة شكلا حضاريا راقيا، وسوف يؤكد لنا التطبيق أن لا ترادف في القرآن.

وهناك آيتان وردت فيهما الدعوة المنوّهة بالفروق وإن كانت غير مباشرة، لكنها كسب لهذه الفقرة، فالمقصد الأساسي فيها كان تهذيبا أخلاقيا ودينيا، إذ يقول تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ «١»، فهناك فرق شاسع بين طواعية شكلية تدلّ على استسلام ظاهري، وبين الإيمان وهو التصديق الداخلي الراسخ، يقول أبو السعود «٢» في أسباب نزول الآية: «نزلت في نفر من بني الأسد، قدموا المدينة في سنة جدب، فأظهروا الشهادتين .. فإن الإسلام انقياد ودخول في السّلم، وإظهار الشهادة، وترك المحاربة مشعر به» «٣»، وكانوا محيطين بالمدينة.

ويقول حفني محمد شرف حول هذه الآية: «كل لفظة من ألفاظ القرآن وضعت لتؤدي نصيبها من المعنى أقوى أداء، ولذلك لا نجد فيه ترادفا، بل كل كلمة تحمل إليك معنى جديدا» «٤».

والحق أن هذا الرأي في نفي الترادف في القرآن ينطبق على كل دارسي


(١) سورة الحجرات، الآية ١٤.
(٢) أبو السّعود محمد بن محمد العمادي: فقيه، مفسّر، تقلّب في مناصب القضاء واستقر مفتيا في قسطنطينية، توفي سنة ٩٨٢ هـ، كتابه في التفسير: «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» تسعة أجزاء. انظر الأعلام: ١/ ٣٦٨.
(٣) أبو السّعود العمادي محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ، مج/ ٤: ٨/ ١٢٣.
(٤) شرف، د. حفني محمد، ١٩٧٠، الإعجاز البياني بين النظرية والتطبيق، ط/ ١، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ص/ ٢٢٢.

<<  <   >  >>